نقاط على الحروف
الردّ عهد...
في خضمّ متابعة الأحداث والتطوّرات اليومية سواء عبر القنوات والمواقع الإخبارية أو عبر تصفّح منصّات التواصل، يحدث أن يتعثّر القارىء بأصوات وأسماء محليّة تحاول التشكيك بالردّ الذي وعدت به المقاومة على جريمة اغتيال القائد فؤاد شكر في الضاحية، أو بالردّ الإيراني على استهداف الشهيد القائد إسماعيل هنية في طهران، أو بالردّ اليمني على العدوان على الحديدة.. وفي مصادفة غريبة،
يُلاحظ أنّ المشكّكين بغالبيتهم ينتمون إلى المعسكر الأميركي في الحرب ويُعدّون من صهيونيي الهوى والولاء: جمع قليل من التائهين في خيبة المراهنة على "إسرائيل" يتسلّحون بقدرات ذهنية ومعرفية متدنّية يحاولون عرض خدماتهم على العدو عبر اشتراكهم في الترويج لصورة وهمية يحتاج تسويقها لطمأنة نفسه والتقليل من المخاوف التي تشلّ كيانه ومعه عالم الاستكبار كلّه. اللافت أنّ العدوّ نفسه لا يشكّك في حتمية الردّ، ويتّخذ كل ما أمكنه من إجراءات عسكرية وأمنية تحسّبًا .. كما تنشغل دبلوماسية العالم كلّه بمحاولة الضغط لإلغاء قرار الردّ هذا، بهدف حماية كيان الاحتلال.. جميع هذه القوى تقف مع الجنود الصهاينة على رجل ونصف بالانتظار، وهو من صنف الانتظارات المكلفة اقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا ونفسيًا.. وجميع هؤلاء يوقنون بأن الردّ آتٍ لا محالة، بناء على التجارب السابقة في كلّ وعد قطعته المقاومة وأوفت به، وبناء على معرفتهم الموضوعية بمصداقية المقاومة ودقّة كلامها: جميعهم يعرفون أن قيادة هذه المقاومة لا تعد بما لن تفعله.. رغم ذلك. يرتضي مجنّدون بالمجان في معسكر العداء للمقاومة على أنفسهم أن ينطقوا بما يعرفون أنّه جهل وتغابٍ وكذب؛ بأسلوب ساخر أو بجدية واهمة، يتهمون المقاومة بالعجز عن الردّ أو بالتغاضي عنه، ويبنون على وهمهم هذا تحليلات وفرضيات لا تمتّ إلى الواقع بصلة.
على صعيد آخر، يتحدّث محلّلون متمرسون من جنسيات مختلفة حول العالم يوميًا وبخلفيات متعدّدة عن الردّ وانتظاره.. يتلون توقّعاتهم والاحتمالات التي تمرّ ببالهم حول هذا الردّ الحتمي القادم. يشرحون المخاطر التي يشكّلها ليس فقط على وضع "إسرائيل" في المعركة، بل على كلّ مسار الحرب المؤدي حتمًا إلى انتصار جبهة المقاومة. يضعون الاحتمالات المتعلقة بالردّ على طاولات بحوثهم، يتناولون القضية من كلّ زواياها؛ سياسيون وإعلاميون ومؤثرون من كلّ العالم يخاطبون الناس عن سيناريوهات الردّ وتبعاته.. وأكثر من ذلك، ثمّة نواب وقضاة وعسكريون أميركيون وأوروبيون يعرضون الموضوع ويناقشونه عبر البرامج واللقاءات المصورة وبمعظمهم يصلون إلى النتيجة ذاتها وهي حتمية هزيمة "إسرائيل" والإمكانية العالية لبداية تفتّت الكيان بفعل الرد المتوقع سواء من إيران أو من اليمن أو من حزب الله في لبنان.
أمّا هنا، ترى من فقد ماء وجهه حتى آخر قطرة وتاه عن المنطق والواقعية وذاب في الخيانة المشهودة يتبجّح بتشكيكه بالردّ، ويسعى إلى زرع الشكوك في نفوس أهل المقاومة في محاولة يائسة لفكّ حلقة الثقة والارتباط بين الناس والقيادة، وهذا هدف أساسي من الأهداف الصهيونية المعلنة والتي فشل العدو في تحقيقها ليس الآن فقط بل في تموز ١٩٩٣ ونيسان ١٩٩٦ وتموز ٢٠٠٦.
المشكّك هو حكمًا معادٍ، مرتزقًا كان أو جاهلًا أو حاقدًا أو ملتحقًا بنغمة تسوّق لها حسابات العدو الإلكترونية. وتشكيكه هذا هادف ومدروس وموجّه ودلّال على تدني المستوى الأخلاقي والمعرفي على حدّ سواء.. فالتشكيك بضوء النهار لا يطفىء شمسه وإنكار الحقائق لا يبدلها أبدًا.. رغم ذلك، ينهمر الكلام الخياني من فئة "لن تردّ المقاومة" عبر مساءلتها بوقاحة عمّا يراه المشكّكون "تأخّرًا". في منطق الأمور، التأخير هو عدم الالتزام بتوقيت محدّد وضعه أهل الوعد. هل حدّدت القيادة موعدًا وتأخرت؟ أبدًا. فجزء من الردّ يكمن في وضع العدو قيد الانتظار وإرباك كلّ مستوياته خلال الفترة الزمنية التي تسبق الردّ.
يعاني العدوّ اليوم من حالة حصاره داخل خانة الانتظار والأسئلة: "هل سيكون الردّ الإيراني واليمني واللبناني متزامنًا؟ هل ستعتمد جبهة المقاومة أسلوبًا واحدًا في الردّ أم ستتنوّع الأساليب؟ هل سيطول المراكز الأمنية والعسكرية، أم سيقوم باستهداف شخصيات محدّدة، أم سيذهب بعيدًا حدّ استهداف الشرايين الحيوية للكيان؟ هل يمكن احتواء الردّ أم سيؤدي حكمًا إلى حرب شاملة؟ هل من الممكن الضغط دبلوماسيًا لإلغائه؟: وأسئلة منطقية غيرها يطرحها العدو على نفسه وحتى على الآخرين، بشكل رسمي أو عبر محاولات التقصّي.. وفي هذا الخضمّ الجدّي والمشتعل، يطلّ بين الفينة والأخرى وجه مغمور من هنا، ويطرح أسئلة دلّالة على خوائه الخيانيّ: "لماذا تأخر الردّ؟ هل تستطيع المقاومة أن تردّ؟ ما الذي يعيق الردّ الإيراني الآن؟" ويضمّنها غمزات تفيد برغبته بالتشكيك، بل وأكثر، تبوح برغبته بالاستحصال على إجابة تحدّد موعدًا يريح الصهاينة أو باستفزاز أهل المقاومة كي يجد عذرًا للعب دور البطل الذي نجح باستدراج الناس إلى مستنقع مناقشته..
يعرف أشرف الناس، والعدو وأدواته، أن الردّ آتٍ، وأنّه أمر حتميّ، وإن كان بعض المحبين تأخذهم حماسة استعجال الثأر فليقينهم بأن الردّ المنتظر سيثلج قلوبهم.. والجميع هنا يعرفون أن ما بعد الردّ سيختلف عمّا قبله، وأنّ المقاومة هي الجهة الوحيدة في البلد التي لا تعد إلّا بما ستفعل، ولا تفعله إلا في التوقيت الذي تراه الأنسب والأوجع للعدوّ.. من الطبيعي أن يزعج الأمر أدوات الصهاينة، فالأداة يؤرقها ما يُرعب مشغلها ولا بأس.. فليشكّكوا كما يشاؤون، وليطرحوا ما يريدون من الأسئلة المفخخة والتحليلات المبنية على أوهامهم ورغباتهم.. الردّ عهد المقاومة، والميدان يتكلّم.. وما إن ينطق بما عنده في الردّ، سيصمت الجميع، ويتفرجون..
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
20/11/2024
ما بين عامَي 1948 و2024 ما الذي تغيّر؟
20/11/2024
أن تصبح سردية العدو شغل LBCI الشاغل!
18/11/2024
عن قائد كتيبة الإعلام المحارب..
16/11/2024
ضاحية السيد: مدينة تسكننا!
16/11/2024
الانهزاميون ينتشون بفائض الحرب والتدمير
15/11/2024