موقع طوفان الأقصى الجبهة اللبنانية

نقاط على الحروف

الصهاينة أسرى Trauma الحرب
02/09/2024

الصهاينة أسرى Trauma الحرب

بعد ما يزيد عن أحد عشر شهرًا من قتال لم تختبره هذه المنطقة منذ قرون، وبمساحة انتشار للنار فسيحة وممتدة، وبدخول أطراف كبرى وإقليمية مباشرة كفاعلين رئيسيين في معركة "طوفان الأقصى" المباركة، ووسط كل هذه الأطلال والأنقاض، فإن أول مشهد يجب تسجيله –بإيمان ومسؤولية- أن محور المقاومة والجهاد قد قدم صورة مغايرة كليًا لصورة الإنسان العربي خلال قرنين فائتين على الأقل، من وسط الدبابات المحترقة والمدرعات المدمرة وقطع المدفعية المحطمة والمتناثرة ومن قلب الدمار والخراب والإبادة، فإن المجاهدين في كل فصائل وجماعات المقاومة قدموا لنا التعريف الأوفى للصمود الأسطوري، لم يسبق أن منحنا القدر شحنات الفخر والكبرياء بمعاينة شجاعة وتضحية وبسالة وإقدام المجاهدين على الموت كما يجري اليوم، في غزة والضفة وجنوب لبنان، لم يسبق وأن خرج جيل عربي جديد معبأ تمامًا وبالكامل بروح "كربلاء" الاستشهاد، هذا الجيل المجاهد أتقن معادلة انتزاع الحق ولو عبر بوابات الموت، لذا فإن مناقشة مسألة الهزيمة التي اخترعها إعلام نظم التطبيع هي جريمة مبدئية موصوفة، فضلًا عن كونها سقطة أخلاقية منكرة.

الصورة المنتصرة العزيزة التي قدمها مجاهدو المحور أيقظت العقول على واحدة من نبوءات المفكرين العرب الأفذاذ، ومنهم الدكتور عبد الوهاب المسيري، وكيف أن الراحل الكبير في كتابه "انهيار "إسرائيل" من الداخل" قد بذل جهدًا كباحث عن الحقيقة لتبيان حقيقة ذلك "التنين" الصهيوني الكاذب، المصنوع من قش الوهم العربي. وبقدر إخلاصه لقضيته وذكائه، فقد نجح في أن يصور أزمة الكيان اليوم، بعد مرور 332 يومًا على معركة طوفان الأقصى، في هذا الكتاب تحديدًا اختار "المسيري" تعرية مجتمع قطعان المستوطنين، بشكل منهجي وعلمي، ورصد ملامح الصدمة والرعب التي تغشى هذا التجمع الشاذ فور ظهور مقاومة عربية تثبت في وجهه، كيف يتخلخل البنيان من الداخل بسرعة مروعة، كيف تتراجع أعداد المهاجرين، ثم تبدأ الهجرة العكسية، ويتضح الانقسام الحاد المسيطر عليهم وأنهم بالفعل مجرد تجمع بلا عنوان، لكن تجمعهم المصلحة والمادية والجشع، وكيف يكون أهم بند في أجندة حكومة العدو هو "تهريب" اليهود المتدينين من الخدمة العسكرية، ضمانًا لأصواتهم.

"المسيري": الصدمة والتفكك

يصف المسيري في كتابه حالة كيان العدو بأنه "أكثر هشاشة من أي تصورات"، فالمجتمع احتاج دائمًا إلى قلعة يختبئ فيها وأسوار يختفي خلفها، ويرصد المسيري "إستراتيجية الأمن" لدى الكيان، فيجدها تعني "الجدار الحديدي" لدى "بن غوريون"، ثم "الجدار الفولاذي" مع شارون، وأخيرًا "سلام الردع" مع نتنياهو، وهي كلها أعراض جانبية لأصل واحد هو الضعف الشديد الذي يأتي من حالة الحرب المستمرة والدائرة في الكيان وحوله، وهو أمر لا يتحمله الجهاز العصبي للإنسان، لذا تتزايد الأمراض النفسية والصدمات والانتحار وغيره.

يضيف المسيري أن هذا المجتمع المشوه مع إيمانه الكامل بنظرية "بن غوريون" "العرب لا يفهمون سوى لغة القوة"، يتعامل مع الشعب الفلسطيني على إنه كم مهمل، لهذا حين يُصدم هذا المجتمع المريض بمشاهد المقاوم الفلسطيني ببسالته وقوة إيمانه، ويكسر كل حساباتهم العسكرية والأمنية، يتحولون إلى كائنات غوغائية عدوانية ترتكب أبشع الجرائم ضد الفلسطينيين.

لعل أهم ما في كتاب "المسيري" هو كلمته الفاصلة بشأن الانهيار القادم للكيان، وهو أمر بدت شواهده تطفو من الأعماق إلى السطح المرئي وآخرها الإضراب الشامل الذي أعلنته نقابات العمال "الهستدروت" والتظاهرات العارمة التي يشهدها الكيان، وحول هذا الانهيار يقول المسيري: إن "أزمات الكيان آخذة في التفاقم ولكنها لن تؤدي إلى الانهيار؛ لأن مقوِّمات حياة الكيان الصهيوني ليست من داخله، وإنما من خارجه، فهو لا يحقق لنفسه الاستمرار من خلال جهد المستوطنين الصهاينة، وإنما من خلال الدعم الأميركي الغربي -السياسي والاقتصادي والعسكري- المستمر، ولذا، لا بد من استمرار الجهاد ضد هذا العدو، حتى ييأس من الاستمرار".

عمار علي حسن: آثار الطوفان

مؤخرًا ضربت عاصفة الإضرابات والتظاهرات ما تبقى من أركان كيان العدو، بإعلان رئيس "الهستدروت" أرنون بار دافيد، عن الإضراب الكامل، وصولًا إلى مرحلة شلل الاقتصاد الصهيوني، داعيًا حكومة نتنياهو للتحرك الفوري لإتمام صفقة من أجل إعادة الأسرى من غزة، وهي المسألة التي تمزق مجتمع الصهاينة حاليًا، مع تبخر وعود أو إمكانيات إعادتهم عبر عمليات عسكرية، إذ ترى قطاعات عديدة في الشارع الصهيوني أن حكومة كيانهم تتصرف وفقًا لمصالحها السياسية ومن أجل الاستمرار في السلطة، لا بما يلائم أهداف الكيان وحماية مواطنيه، ما فجّر كرة النار التي كان يهدد نتنياهو بها الجميع بين يديه.

وفي تعليق على المظاهرات التي انطلقت يوم الاثنين، قال الدكتور عمار علي حسن الباحث السياسي، في تصريحات خاصة لـ "العهد الإخباري" إن المظاهرات الحاشدة، ثم إعلان إضراب واسع النطاق، يشكلان أقوى ضغط على نتنياهو منذ بداية الحرب. لقد اتسعت دائرة الذين أدركوا أن رئيس الوزراء الصهيوني يتلاعب بالجميع في سبيل مصلحته الذاتية البحتة، وكيف عجز الساسة وقادة الجيش في وجهه، ولذا كان لا بد أن يسمع صوت الشعب.

وأضاف "عمار" لا أظن أن نتنياهو سيمتثل، لكن العناد معناه اشتداد الاضطراب الاجتماعي، والتصدع السياسي، وهشاشة الجبهة الداخلية، في وقت يحتاج فيه الصهاينة إلى تماسك، كذلك فإن استمرار الاضطراب يعني خسارة معدلات الجاذبية التي حرص المسؤولون في "إسرائيل" على أن تكون عالية لاستقطاب اليهود من مختلف أنحاء العالم.

وختم عمار: "الآن صار المجتمع الإسرائيلي طارداً بعد أن انخفضت فيه درجة الأمان، وهذا من الآثار العميقة والأبعد لطوفان الأقصى".

الضغط والانفجار

وتعرض مجتمع قطعان المستوطنين للضغط الشديد بفعل الحرب الطويلة، واضطرار الكيان لأول مرة في تاريخه إلى إعادة توزيع المستوطنين من الشمال وحول قطاع غزة وبالقرب من أم الرشراش، ما أدى لانهيار الثقة العميقة في جيشهم وسلاحهم وأمنهم الذي ظهر أنه مجرد "وهم" انتهى مرة واحدة وللأبد مع طوفان الأقصى، وترك آثاره عميقًا على سلوك هذا المجتمع الذي بات يتصرف بشكل أقرب إلى الهذيان والصراخ.

تحطيم شعور الأمان، ولد من فوره ما يعرف بالصدمة النفسية للحروب "War Trauma" على الصهاينة، وهي تعرف علميًا بأنها الاستجابة العاطفية التي تحدث بعد التعرض مباشرة لأحداث تفوق طاقة الإنسان على تحملها أو التعامل معها أو تجاوزها، وهي تلقي بالمجتمع إلى أتون الحرب بشدتها وضراوتها، حتى وإن كانوا من المدنيين البعيدين عن خطوط النار، في النهاية تظهر أعراض المرض النفسي والخلل السلوكي بشكل واسع، مع مناخ القلق والذعر والخوف، واستمرار مشاهد الحرب.
 

الكيان الصهيونيغزةمستوطنون

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة