معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

جونسون بعد شيا: وكر الشرّ لا يهدأ
12/11/2024

جونسون بعد شيا: وكر الشرّ لا يهدأ

وفقًا للأعراف الدبلوماسية، والبرتوكولات الدولية، يُمنع على البعثات الدبلوماسية التدخّل في شؤون البلاد الموفدة إليها، ولا يُسمح لأي من أفرادها بأن يكونوا طرفًا حاضرًا في أيّ شأن داخليّ، وكلّ تجاوز بهذا الصّدد يُعدّ خرقًا لسيادة الدولة المضيفة، ويترتبّ عليه إجراءات قد تصل إلى طرد السفير المرتكِب! ثمّة أمثلة كثيرة حول العالم في مجال التزام سفارات الدول الكبرى بهذه الحدود، وإليكم التجربة الأميركية-اللبنانية كنموذج يُدرّس فهي تجربة بديعة ويُضرب بها المثل، من حيث دقّة التزامها بالأعراف وحرفية احترامها للبروتوكولات وللسيادة. 

لن نغوص في تاريخ دور السفارة الأميركية في لبنان، فالتجربة عتيقة وتحوي الكثير من العبر والدروس. لنحصر الحديث في آخر عهدين دبلوماسيين أميركيين في عوكر، حيث مقرّ السفارة الأميركية، المعروف أيضًا لدى النّاس باسم "وكر عوكر". ولهذه التسمية أسباب كثيرة مرتبطة بالدور الأميركي في البلد والمنطقة. المهم، سُمّي العهدان الآخيران باسم سفيرتين: دوروثي شيا وليزا جونسون. ارتبط اسم الأولى بمرحلة الحصار الاقتصادي والحرب الإعلامية ضدّ المقاومة في لبنان. وقد مارست أقصى "احترام" السيادة اللبنانية إذ منعت الحكومة اللبنانية من القبول بالعروض الإيرانية وغيرها لحلّ أزمة الكهرباء. كما عُرفت في فترة الانتخابات النيابية بنشاطها المكوكي وحرصها على ترأس الاجتماعات الخاصة بتشكيل بعض اللوائح الانتخابية، فتضيف اسمًا أو تحذف آخر. وكذلك اشتهرت بـ"مَونتها" الكبيرة على بعض الشخصيات "الوازنة" والمعروفة بانتمائها إلى فرقة شعارها "السيادة: أن تنبطحَ أكثر". كما عملت بجدّ وجهد على تشكيل فريق من الإعلاميين الذين يفهمون التعليمة "عالطاير" بحيث أصبح من السّهل اكتشاف التعليمة ما إن تراهم يتسابقون على صياغتها في تغريدات ومنشورات ومواقف "سيادية". وحين اتخذ قاضٍ شريف يدعى محمد مازح قرار منعها من التصريح للإعلام حول أيّ شأن داخلي لبناني، تداعى إعلام وكرها بكلّ تشكيلاته إلى تحدّي القرار واستقبلتها Mtv في الليلة نفسها كي تثبت الولاء وتخبر العالم، ألّا قانون ولا قضاء يستطيع أن يمنعها من ممارسة الانبطاح لسيدة عوكر وسائر السياديين. 

أنهت شيا مدّة عهدها ومهمّتها بفشل ذريع، رغم الجهود الكبيرة والتكاليف الباهظة، إذ تبيّن أنّها شغّلت مجموعة من الخائبين. وحين جاءت ليزا لتتربّع على رأس هرم الوكر، أكملت ما بدأته سابقتها، بالوقاحة نفسها، وبالانتهاك نفسه لكلّ ما يمتّ إلى السيادة بصلة. وقد سجّلت منذ اشتعال الحرب العدوانية على لبنان مآثر عديدة في ما يخصّ مراعاتها لعدم التدّخل في الشؤون الداخلية اللبنانية: صرّحت بوجوب تجهيز لبنان لمرحلة ما بعد حزب الله، وبدأت العمل على هذه الخطّة بالاجتماع مع قادة أمنيين ومع سياسيين لتسهيل الأمر عبر إعطائهم التعليمات المباشرة. وقد حرصت طبعًا على أن يكونوا من "السياديين". وبحسب جريدة الأخبار، تتحدّث جونسون صراحة مع صبيانها هؤلاء عن ضرورة الاستفادة من الحرب "الإسرائيلية" الحالية للقضاء نهائياً على حزب الله وليس فقط على قدراته العسكرية. وتقول لهم، إنّه لا يمكن لـ"إسرائيل" أن تحقق كل شيء عبر الحرب، وإنه "آن الأوان لتقوموا بدوركم، وأن تطلقوا انتفاضة داخلية تحت عنوان «كفى»، " وإنّه وعلى الشعب اللبناني إظهار رغبته في الانتفاضة والتخلّص من حزب الله كما استهجنت بالقول: "لماذا تبدون خائفين، حزب الله بات مهزوماً، وقيادته مدمرة، ونحن معكم، وكل العالم الحر يقف إلى جانبكم."

وفي سياق احترام سيادة لبنان والأعراف الدبلوماسية قامت جونسون على سبيل المثال بمنع الخطوط الجوية العراقية من الهبوط في مطار بيروت لإيصال المساعدات كما هدّدت شركة "طيران الشرق الأوسط" بوضعها على لائحة العقوبات إذا ما نقلت جرحى الحرب إلى الخارج على متن رحلاتها. وكذلك، منعت فتح طريق المصنع عند الحدود اللبنانية - السورية، وسرى خبر في حينها مفاده أنّها تدخلت لمنع فتح طريق المصنع، كما عُرف أنّها تقوم عبر متعهد لبناني بشقّ طريق عبر ردم الشاطىء في منطقة ضبية دون إعلام وزارة الأشغال العامة والنقل، على سبيل التمادي في احترام سيادة لبنان وقوانينه. 

حركة جونسون على الأرض لا تمنعها من استغلال مساحات الإعلام، كسابقتها شيا، إدراكًا منها لضرورة الاستفادة من كلّ الميادين المتاحة للتحريض ضد اللبنانيين الأحرار عبر "لبنانيين سياديين"، وتأتي كلمة سياديين هنا كمرادف لعبيد السفارة. ولهذا فعّلت لجنة إعلامية تتبع لها مباشرة وتعمل بناء على أسلوب: التعليمة. ومن أبرز أهدافها بثّ الفتن والتهويل والتحريض ضد النازحين والاستثمار في أيّ فكرة تساهم في التسويق لهزيمة المقاومة. 

هذه عيّنات بسيطة عن كيفية العمل الدبلوماسي بنسخته الأميركية، وهو شيء من الجهد الأميركي في تعليم العالم معاني احترام السيادة وحريات الشعوب وقوانين الدّول، في إطار سعي الشيطان لتعميم الديمقراطية ونشر تعاليمها! وكر الشرّ، هذا، الذي يقدّم كلّ هذه الخدمات، يوظّف لديه عبيدًا من مختلف الفئات والمناصب، مع الحرص التام على اختيارهم من "السياديين"!

الولايات المتحدة الأميركيةعوكر

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة