نقاط على الحروف
اليوم، كلّ الجهات جنوب..
مع الفجر قاموا، والموكب أعينٌ قرّحها الشوق إلى الأرض، وقلوب ترفع صور الشهداء ورايات العزّ وتتهيأ للعبور إلى الجنوب أو إلى السماء، وأرواح تقاتل..
مع الفجر أنهوا عدّ الأيام السّتين، وساروا قافلة حجيج إلى أرض تحتضن في كل حبّة من ترابها دم شهيد، وعرق مجاهد، ودمعة أمّ.. ساروا إلى الأرض التي تحبّهم ويحبّونها، وتعرفهم ويعرفونها، وتشتاقهم ويشتاقونها.. قل ساروا إلى حيث لم تزل على التراب آثار الجثامين في العراء.. تحتضنها بحنوّ نسمات عاملة، ريثما يعود الأهل ويلملمون الأثر في حضنِ دموعهم..
على صهوات اللهفة انطلقوا، والعزم من شيم العشاق.. حتى انسكبوا في ساعات الصبح إلى "قرى الحافة"، سيل حبّ لا توقفه "ميركاڤا" ولا يهاب الجند المدجّجين بالحقد وبالرّعب.. أهو الزمان يعيد مشهد العزّ نفسه مرّتين في الجنوب، حتى نرى أهله وهم يكتبون التحرير العظيم مرة في ٢٤ أيار/مايو ٢٠٠٠ ومرّة في صباح ٢٦ كانون الثاني/يناير ٢٠٢٥، أم شاء الله أن يُرسم مشهد النّصر بصورة لم يذهب إليها وهم؛ ففتح إليه باب العبور إلى جنّة في الأرض تُدعى عاملة، أو جنّات الخلد؟
بأيّ المفردات يُكتب يومٌ من أيام الله.. بأيّ الكلمات يُحاط مشهد العزّ المكلّل بالدم الأبيّ وبالعشق الزّلال.. ألا يا أهل كلّ الأرض انظروا جيّدًا ناحية "قرى الحافة" واشهدوا كيف صارت كلّ الجهات "جنوب".. ألا يا أهل كلّ الأرض انظروا:
مع خيوط الضوء الأولى، في صباح الجنوب، انساب أهل الأرض كما الضوء ليحرّروا ترابهم من عتمة الإرهاب وظلمات الغطرسة المتوحّشة.. أتثني طلقات الغدر الضوء عن العبور إلى مسراه؟! هل يجد جند العدا سبيلًا إلى صدّ أرواح تسلّحت بالعزة وبالعشق وبالحقّ؟! أبدًا! بالصدور المدرّعة بالشوق وباللهفة -وهذي الضلوع درع المقاومة- وباللحم الحيّ المعتزّ بهويّته -وذاك التراب هوّيّة الأحرار- وبالأصوات المنادية على حبّ الشهداء وسيّد الشهداء، ولكلّ حرّ في هذا التراب قطرة من دم عزيز..
مشى الأحبّة.. لا وجهة لهم إلا النصر، ولا منتهى لدربهم إلّا في دار الحريّة..
على وقع صوت سيد شهداء الأمّة "أيّها الأحبّة، ستعودون إلى الديار.. هاماتكم مرفوعة.. أعزّاء"..
على وقع لهفات عوائل الشهداء للوصول حيث ارتقت حبّات عيونهم "أنا أم شهيد، إبني شهيد بعدو موجود بالأرض.. مش رح فل لحتى استعيد ابني.."
على وقع الدموع المكوّنة من ماء الفرحة وملح الفقد، والناطقة بـــــ"هذه أرضنا"
على وقع الخطوات الشجاعة، وهي تتقدّم من فوق السواتر الترابية لتحرّر ما انتهك العدوّ من الطرقات ومن البيوت..
على وقع الدم النبيل، وهو يتقدّم إلى "ضيعته"، إلى شهادته، إلى السماء..
على وقع عطر الشهادة المنبعث من بين الركام فواحًّا، يشير إلى العائدين أن هنا احتدم الموت وكنّا أسياد النّزال..
على وقع العزّة المكتوبة بالدم وبالدموع وبالبذل المعظّم..
على وقع الهوى الجنوبيّ المطهّر، حرّر أهل الأرض أرضهم.. وحرّروا العقل الذي أسرته الهزيمة في براثنها فشكّك بالنّصر أو حاول.. كتبوا النّصر، لا.. بل رسموه لوحة سماوية مضيئة.. ترجموه إلى كلّ اللغات.. سطّروه بكل حواسهم من بعد أن صنعه الله بأيديهم.. كما رمى بأيدي أبنائهم وإخوانهم وأصدقائهم..
ألا يا أهل كلّ الأرض، قولوا لمن توهّم في لحظة أنّ المقاومة "جسم" تلتفّ حوله الناس أو تُفض من حوله، أنَ ما شوهد اليوم في الجنوب هو المقاومة.. وقولوا لمن ظنّ أنّ المقاومة تُبعد عن الأرض بقرار أو بإرهاب دوليين، أن الأرض جسمُ المقاومة، وأهلها الروح!
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
27/01/2025
اليوم، كلّ الجهات جنوب..
27/01/2025
شهداء العبور ...
25/01/2025
إشكالية المصطلح في حرب الدعاية على المقاومة
20/01/2025
هكذا تكلّمت "غزّة"...
20/01/2025