نصر من الله

نقاط على الحروف

عن بنات الأرض وسيّدات التراب الطاهر..
29/01/2025

عن بنات الأرض وسيّدات التراب الطاهر..

يُحكى أنّ جدّاتنا في عامل كُنّ مبدعات في المقاومة.. يُحكى أنّهن تكفلن بتأمين كلّ مقوّمات الدّعم والحماية للمقاومين، من التربية في البيت إلى الخبز وما تيّسر من أطباق منزلية "للشباب" على المحاور والنقاط العسكرية ، ومن تأمين إخفاء المجاهدين وسلاحهم عن عين العدا إذا داهموا، عبر ابتكارات يصعب اكتشافها وإن بدت بسيطة، إلى المواجهة المباشرة مع العدوّ بالزيت المغليّ وبالحجارة وبالمولوتوڤ.. يُحكى أنّ هؤلاء السيّدات اللواتي من طينة الطهر الزلال، حوّلن بيوتهنّ وعوائلهنّ إلى معسكرات صغيرة، تدرّب أبناءها على ألف باء المقاومة. ما سُطّر في اليومين الأخيرين من مشاهد البطولة والعزّة، برزت فيه نساءٌ عزيزات كريمات، يليق بهنّ أن يكنّ الحفيدات الوفيّات لجدّات قاتلن وربّين جيلًا يقاتل وينتصر. 

في الزمن الذي كثرت فيه الشعارات المضلّلة حول "تمكين المرأة" وازدادت دعوات تحريرها من هوّيتها وحقيقتها لصالح النموذج الغربي، بالأحرى "المُستغرب"، بكسر الرّاء أو بفتحها. وفي مرحلة يُصنع فيها التاريخ ويُكتب فيها النّصر بدمٍ عزيز وبدمع غزير ومن قلب أشدّ المواجع، لم يكن مستغربًا أن نجدَ سيّدات وبنات مجتمع المقاومة في صدر المشهد، فهنّ لا يغبن لحظة مهما حاول المغرضون تنميطهن وتهميش حضورهنّ الساطع والمتناسب مع خيارتهنّ الثقافية والعقائدية والأخلاقية.. حضرت النساء في تحرير الجنوب: بطلات لا يمسّ طهر سيرتهنّ وسلوكهنّ كلام منافق أو عقل مريض.. بنات الأرض حضرن بكلّ طهرهنّ، بكلّ هويّتهن الواضحة، ومشَين نحو القرى التي ينتهك العدو قدسية ترابها.

في مقدّمة المشهد المقاوِم المحرِّر، تجلّت أمّهات الشّهداء.. رأيناهنّ مدارس في الصمود الأسطوريّ وفي الصّبر الجميل: جبال أمومة تمشي إلى حيث لا بدّ من أثر لفلذة الرّوح التي ارتقت من بوابة الجنوب. رأيناهنّ وهنّ يبحثن في التراب بأصابعهن وأصواتهن إذ تنادي على "الغالي": هنا أمّ وجدت بقايا "كنزة" شهيدها، وهنا أمّ لا تأبه بجنود العدا المتربصين بلهفتها وبآلياتهم القاتلة: "أني مش رح فل بلا ما جيب ابني".. هنا أم تناجي شهداءها الذين قضوا تحت ركام المنزل، تلامس الحجارة والركام بدموعها وتنادي عليهم.. هنا، أمّ جاءت من البقاع إلى حيث سبقها ابنها و"ضيّ عينيها" ليستشهد في أرض عامل.. وهنا، أم تتعرّف إلى رائحة قمرها الشهيد تحت ركام منزل، تؤكّد للمسعفين الباحثين عن شهداء تحت الرّكام أن ها هنا روحي.. يبحثون حيث تشير إليهم وتردّد أنّها تشمّ رائحته، ليجدوا جثمانه حيث أشارت! 

نساء مجتمع المقاومة، المربيّات المثقفات الطاهرات المبدعات كلّ في دورها وبما تمتلك من أدوات، وقفن حيث يعجز الكثيرون، بمواجهة الجند والدبابات.. تسلحن بيقينهنّ الأخّاذ وبطهرهن الآسِر وبحقهنّ في أرضهنّ ومشين في العبور إلى التحرير: منهنّ من استُشهدت برصاص العدو ومنهنّ من جُرحت ومنهنّ من واصلت الدّرب إلى "الضيعة" أو إلى جثمان شهيدها، أو ما تبقى من أثره، وجميعهنّ كنّ النموذج الأرقى والأطهر عن المرأة في مجتمع مقاوم.

المقاومةالجنوبالمرأة

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة

خبر عاجل