إنا على العهد

نقاط على الحروف

عن حلقة "السيّد"..
01/03/2025

عن حلقة "السيّد"..

فاطمة نور الدين


‎لم تكن هذه الحلقة جميلة ومميزة لأنها عن السيّد، فكل ما يتعلق به جميل ومميز. ولم تكن فريدة لأنها تضمنت معلومات عن حياته الخاصة مع عائلته، أو لأنها عرضت مشاهد تُبث لأول مرة لظهوره بين جمهوره ومحبيه في مجمع السيّد الشهداء، فكل ما يُقدَّم عن السيّد فريد. ولم تكن عابقة بالإنسانية لمجرد أنها أظهرت الجانب الإنساني من شخصية قائدٍ وزعيمٍ لطالما صوّره الإعلام على أنه أمين عام لحزبٍ يواجه إسرائيل وأمريكا، متوعدًا ومهددًا.

‎بل كانت هذه الحلقة جميلة، مميزة، فريدة، وعابقة بالإنسانية لأنها عرّفتنا على أبناء السيّد وهم يتحدثون عن أبيهم الشهيد بعفوية، وصدق، ورزانة، ومهابة قلّ نظيرها. لا يمكن لمن شاهد هذه الحلقة، سواء كان عدوًا أو صديقًا، قريبًا أو بعيدًا، من مجتمعنا الشرقي أو الغربي، إلا أن يستشعر تميّز أبناء السيّد في حضورهم وشخصياتهم.

‎ليس من السهل أن يرثي الابن أباه، خاصة إذا كان قائدًا فذًا يعشقه ويُحبه، دون أن يبدو منكسِرًا. فكيف إذا كان هذا الأب شهيد الأمة الأقدس الذي كسر رحيله قلوب محبيه وعشّاقه، فما بالك بأبنائه وبضعته؟! وليس من السهل أيضًا أن يُشبِع الأبناء فضول وشغف المحبين بقصصٍ من حياة السيّد العائلية، وفي الوقت نفسه يحافظون على خصوصية وحرمة بيته.

‎❖ بين الخصوصية وواجب الرواية

‎قال السيّد جواد في المقابلة: "في النهاية، السيّد عالم دين، وعلماء الدين لهم خصوصيتهم". هذه الجملة تختصر الكثير. ففي الآونة الأخيرة، رأينا العديد من المقابلات مع شخصيات عايشت السيّد، لكن بعضها وقع في فخ العاطفة، فكشف عن تفاصيل خاصة لا يُفترض أن تُروى إلا في مجالس داخلية. هناك من يظن أنه بعد استشهاد القائد، يمكن أن يُقال كل شيء عن حياته، وهذا ما نشهده يا للأسف مع بعض معارف الشهداء الذين يندفعون - بدافع المحبة طبعًا - لسرد لحظات خاصة جمعتهم بهم، رغم أن الشهيد، لو كان حيًا، لما أراد أن تُكشَف.

‎وهنا، لا نتحدث عن المواقف المعنوية التي يرفض الشهيد ذكرها تواضعًا، بل عن لحظات خاصة لها حرمتها، وحرمة الشهيد أعظم من حرمة الحيّ، فكيف إذا كان قائدًا؟

 

 

عن حلقة "السيّد"..

 

‎❖ الصورة... معركة الذاكرة في زمن الحرب الإعلامية

‎استوقفني كثيرًا موقف السيّد جواد في إحدى الإطلالات الاعلامية عندما قال: "لدينا صورٌ للجثمان حينما كان وديعة، أو على المحمل، أو غيرها، ولكن لن ننشرها، لأن السيّد ينبغي أن يبقى في أذهاننا واقفًا شامخًا، رافعًا يده وأصبعه".

‎قد لا يتفهّم بعض الناس هذا الأمر، وقد يعتبرونه نوعًا من المبالغة، لكننا نعيش في عصرٍ تحولت فيه الحرب من إطلاق النار إلى حرب البروباغندا، والتضليل الإعلامي، وإطلاق الأكاذيب، وحملات التشويه. في هذا السياق، تصبح الصورة سلاحًا، وحماية ذاكرة القائد مسؤولية لا تقل أهمية عن أي معركة ميدانية.

‎❖ الإعلام القيميّ... حين يصبح الحوار نموذجًا يُحتذى

‎جميع إطلالات أبناء السيّد، لا سيما الحلقة الأخيرة مع الزميلة منار صبّاغ، كانت مثالًا على الإعلام القيميّ الراقي. لم يكن دورها سهلًا، لكنها احترمت مشاعر أبناء السيّد، فلم تستدر دموعهم ولم تستفز حزنهم، كما أنها احترمت خصوصيتهم، فلم تتطفّل بأسئلة محرجة، ولم تسعَ إلى سبقٍ صحفي، رغم امتلاكها كل الأدوات لذلك كونها محاورة سياسية محترفة.

‎لقد شاهدنا في هذه الحلقة معنى الإعلام الريادي، بل رأينا تجلّي نهج السيّد في كل كلمة ومقطع. السيّد الذي كان الصدق والعفوية ينبعان من بين دفّتيه، وفي الوقت نفسه يتجلبب بالهيبة والوقار، كان أبناؤه مرآة لهذا النهج.

‎❖ العنفوان في وجه الألم

‎رغم التأثّر العميق بما ورد في الحلقة، خصوصًا في الشق المتعلّق بمظلومية السيّد، وتضحياته، وغربته بعد شهادته، والحمل الثقيل الذي حمله على كتفيه حتى لحظة رحيله، فإن العنفوان والصلابة اللذين ظهرا في حديث السيّد جواد وأخته زينب انعكسا على الجمهور.

‎الجملة التي شطرت قلوب المشاهدين: "الليلة فيك تنام بلا همّ يا بيّ", لم تكن مجرد عبارة، بل تذكيرٌ بعبء المسؤوليات التي كانت تثقل كاهل السيّد، وبأن لحظة استشهاده لم تكن فقط وداعًا، بل راحةً بعد مسيرةٍ من الجهاد والمقاومة.

‎❖ السيّد... نهجٌ لا يموت

‎هذه الحلقة تُشاهد أكثر من مرة؛ مرة لسماع ما جاء فيها، ومرة للاستئناس بذكر رجلٍ قلّ نظيره في التاريخ، ومرة للتأكّد أن السيّد لم يكن مجرد قائد، بل كان فكرًا ونهجًا يربّي، فكانت النتيجة بأساً في عزّ المحنة، وتوكّلًا على الله، ويقينًا بحكمته في لحظات الخسارة، ورزانة واتزانًا وهيبة في ظل معركة هي الأشرس بين الحق والباطل.

‎من الناحية الإعلامية، والإنسانية، والقيمية، هذه الحلقة نموذجٌ يُحتذى.

قناة المنارالسيد حسن نصر االلهسيد شهداء الأمة

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة