إنا على العهد

نقاط على الحروف

هنا غزّة... 
19/03/2025

هنا غزّة... 

قبل أن تنتهي العين من معاينة ما جرى على غزّة، طوال حرب الإبادة، ومن استيعاب حجم الدمار ولون الندوب الظاهرة على صفحات قلوب الغزيّين الصابرين الصامدين، تجدّدت النّار في ساعة غدر.. 
اختار العدوّ ميقات السّحر؛ حين تجتمع العائلات في ما تبقّى من بيوت ومراكز إيواء، فسكب حقده كلّه ليمعن قتلًا وتدميرًا.. تلقّت غزّة النار الحاقدة بصبرها الأسطوريّ المعهود، وبعزمها الذي ما لان ولا خضع على الرغم من تعرّضها طوال الأشهر الماضية لأعتى حرب إبادة في تاريخنا المعاصر.. انهمرت القذائف والصواريخ فوق رؤوس العوائل التي بالكاد دفنت شهداءها ولملمت جراحها، فتجدّدت رحلة النزوح تحت النار والبارود.. بالصّبر نفسه، بالقهر نفسه.. وبالمقدار نفسه من الثبات.. هنا غزّة!

هنا غزّة.. هنا الملثّم الذي عرفه أهل المقاومة في كلّ بقاع الأرض باسم "أبو حمزة"، الناطق العسكري باسم "سرايا القدس"، يُكشف وجهه ويُعلن عن اسمه مسبوقًا برتبة الشهيد: ناجي أبو سيف.. هنا الأطفال الذين استيقظوا للسحور مع عائلاتهم ليعاجلهم العدوان بغارات الغدر، فيعبرون، مع عائلاتهم إلى السماء شهداء.. 

هنا غزّة، هنا حيث لا يعبر الشهداء فرادى: يعبرون عوائل مستشهدة.. وهنا، حيث لا يمتلك الناس ترف الوقوف طويلًا عند أحزانهم، فالنار المتعجّلة تدفعهم إلى المضي نحو المواجهة من دون استراحات المحاربين..

أن نقول هنا غزة، أي هنا المظلومية الأوضح والجريمة الموصوفة التي لا تتوخى استتارًا، ما يعني حكمًا أن الإعلام العربي الذي استفاق مذعورًا بعد سبات طال وتعتيم قاتل على المجازر المرتكبة في الساحل السوري ليشارك في صناعة زجّ حزب الله في أحداث الحدود اللبنانية-السورية، عاد إلى سباته وكأنّ قتل الفلسطيني حدث عاديّ لا يرقى ليصبح خبرًا.. قل كأنّ الارتكاب الأميركي الصهيوني مهما بدا فظيعًا يبقى حالًا لا يتجرّأ أحد على استنكارها. 

هنا غزّة.. هنا المساحة المحاصرة المضطهدة المصابة بأقسى جراح الإبادة التي تحاصر العالم كلّه بصمودها وعنفوان أهلها الرافضين أبدًا لمذلّة الاستسلام. 
هنا أرض الشهداء، أرض الصابرين.. أرض المنتصرين بدمهم على سيف العالم المسنون بحجارة تواطؤ من ظُن فيهم "ذوي قربى".

فلسطين المحتلة

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف