إنا على العهد

نقاط على الحروف

وجه التطبيع الأوحد.. الذل والخسارة
21/03/2025

وجه التطبيع الأوحد.. الذل والخسارة

تحت عنوان "تحقيق السلام والتعاون والازدهار الاقتصادي"، يعمد الإعلام الصهيوني الغربي لتمرير صفقاته وتحقيق غاياته الحقيقية من خلال عملية التطبيع، والتي تتخذ أبعادًا أكثر خطورة من تلك التي يروج لها هذا الإعلام، لا سيما على صعيد  مجالات التنسيق العسكري والاستخباراتي وتكنولوجيا التجسس والمراقبة التي يبرع فيها العدو، والتي بقي الجزء الأكبر منها طي العلاقات السرية، حتى بعد توقيع اتفاقيات التطبيع.

في إطار الحديث عن المظاهر والتداعيات والغايات الفعلية لعميلة التطبيع لا سيما في ميدانها الاقتصادي، والمستقبل المتوقع لهذه العملية، يرى الباحث الاقتصادي الأستاذ رضوان جمول، أن عملية التطبيع الاقتصادي تتخذ مسارات وأشكالاً متعددة، منها على سبيل المثال، في مجال تجارة السلع والبضائع، كإزالة وتقليص العوائق الجمركية التعريفية وغير التعريفية، على قاعدة الدولة الأكثر تفضيلاً في تجارة السلع والخدمات، وفي مجال تجارة الخدمات، حيث تتضمن تسهيل وصول مزودي الخدمات على اختلافها، وفي مجال توسيع وتطوير الاقتصاد الرقمي والتجارة الرقمية، بالإضافة إلى التعاون في مجال الطاقة والبيئة، وتبادل المعلومات في مجال الأمن السيبراني، وفي مجال تكنولوجيا المعلومات والزراعة الحديثة وتحلية المياه، والمشاركة في المعارض والمشتريات الحكومية.

مظاهر التطبيع الاقتصادي لها تداعيات مهمّة ومتشعبة، وهي تؤكد، وفقًا للباحث الاقتصادي، حقيقة أن اقتصاديات الدول العربية المطبعة باتت بعد عملية التطبيع أكثر تبعية للاقتصاد الصهيوني تحديداً، وعبره الاقتصاد الأميركي. 
الأستاذ جمول يذكر في هذا السياق عددًا من العينات التي تعكس هذا الواقع المرير، منها على سبيل المثال لا الحصر، دولة الإمارات التي تسعى جاهدة لتسريع نمو اقتصادها الرقمي وزيادة المحتوى التكنولوجي في صادراتها من السلع والخدمات، وتوظف في سبيل ذلك إمكانيات هائلة، تعتبر في رأس قائمة زبائن الكيان الصهيوني في مجال منتجات التكنولوجيا، خصوصاً أن هذا الكيان يأتي في طليعة البلدان الأكثر استثماراً في أبحاث التكنولوجيا.

إضافةً إلى ما ذكر،  فإن- والحديث للأستاذ جمول-  جانباً لا يستهان به من العلاقات الاقتصادية لهذه الدولة مع الكيان المذكور يندرج في إطار العلاقات العامة، كممر إلزامي للعلاقة مع واشنطن بوصفها غاية المراد لدولة الإمارات التي بلغ بها الطموح حداً جعلها تنفق الملايين من الدولارات لتكوين لوبي إماراتي داخل الولايات المتحدة، على أمل أن يشكل ذلك ضمانة لاستمرار مصالحها مع واشنطن، بما في ذلك تحديداً الحصول على التكنولوجيا العسكرية.

الأمر عينه ينسحب أيضًا على مصر التي تُعدّ الأقدم في عملية التطبيع، فلم تجن من هذه العملية سوى الخيبة والتبعية. فالنمو الاقتصادي في تراجع مستمر، بالتزامن مع الانهيار المتواصل للجنيه المصري، مما أوقع أكثر من نصف الشعب المصري تحت خط الفقر، وباتت مصر مرتهنة لديون صندوق النقد الدولي. وبالرغم من أن مصر كانت دولة مصدرة للغاز والنفط فقد فقدت أمنها الطاقوي في ظل التطبيع، بعدما باتت تعتمد بشكل كبير على الغاز "الإسرائيلي" لتسيير عجلتها الاقتصادية وتوليد الكهرباء.

وعن الغايات الحقيقية التي يسعى العدو وحلفاؤه لتثبيتها من خلال عملية التطبيع، يؤكد الأستاذ جمول أن عملية التطبيع في بُعدها الاقتصادي ما هي في الواقع سوى تحالفات برعاية وتنسيق الولايات المتحدة الأميركية لإعادة رسم الخارطة الاقتصادية والجغرافية في المنطقة العربية، لمصلحة الكيان الصهيوني. 

وفي الإطار عينه، يمكن القول إن البعد الاقتصادي أخذ يكتسب أهمية خاصة بالنسبة للعدو الصهيوني في سعيه لفرض التطبيع على دول المنطقة العربية في الآونة الأخيرة. فهذا العدو الذي اعتاد استعادة عافيته الاقتصادية بسرعة قياسية بعد كل حروبه الخاطفة سابقاً، رغم الطوق والحصار العربي حينها، معتمداً في ذلك على الدعم الغربي واللوبيات الصهيونية في الخارج، لم يعد ذلك متاحاً في الوقت الحالي لأسباب فرضتها متغيرات عديدة.

هذه المتغيرات يوجزها الباحث جمول بعناوين عدة، تشمل معالجة عقدة النقص الناجمة عن محدودية العمق الجغرافي وتأثيراته الإستراتيجية، بالتركيز على توسيع العمق الاقتصادي والجغرافي للكيان على حساب دول المنطقة العربية الغنية بالأسواق والموارد المالية والبشرية والمواد الأولية الضرورية لماكينتهم الإنتاجية، ولو اقتضى ذلك استخدام القوة الصلبة لسحق قوى الممانعة بدعم أميركي، يضاف لها متغير آخر يشمل تغيّر العقيدة الصهيونية في التعاطي مع العرب من "الأرض مقابل السلام" إلى "السلام مقابل السلام".

المتغيرات المطروحة تتضمن أيضًا إدراك الأميركي لأهمية موقع دولة الإمارات في تحقيق أحلام الاختراق والتوسع الاقتصادي. فهذه الدولة يشكل فيها إعادة التصدير ما يزيد عن 50% من تجارتها الخارجية. ولديها أكثر من منطقة حرة متعددة التخصصات الاقتصادية والتجارية واللوجستية. وهي تمتلك بنية تحتية متطورة وعالية الكفاءة بمواصفات عالمية وبيئة أعمال متقدمة ومؤاتية جداً، بما في ذلك تسهيلات وإعفاءات واسعة للشركات ورجال الأعمال والمستثمرين الأجانب، فضلًا عن مسألة  سعي الولايات المتحدة لتكوين جبهة عريضة في المنطقة تكون معادية لإيران والنفوذين الصيني والروسي، تعمل تحت مظلة دينية مزعومة لمنحها الشرعية (اتفاقيات أبراهام)، الأمر الذي يرمي إلى توزيع عبء المواجهة على جميع دول الجبهة المذكورة بدل أن يبقى على عاتق كل من الولايات المتحدة الأميركية والكيان الصهيوني. 

عناوين أخرى تشملها المتغيرات، وهي النضوب النسبي في الموارد الغربية وتحول وجهتها بنسبة عالية نحو الخطرين الروسي والصيني، وطموح الصهاينة لتحرير قرارهم في السلم والحرب من سلطة الدول الغربية، بما يمنحهم حرية أكبر في صياغة حساباتهم "الجيو استراتيجية"، الخسائر الفادحة وغير المسبوقة التي مني بها الاقتصاد الصهيوني، وما ترتب عليها من تفسخ المجتمع الصهيوني، من جراء الحروب الممتدة وغير المعتادة زمنياً وجغرافياً، وكان منها تراجع مستويات النمو الاقتصادي والمديونية المرتفعة غير المسبوقة وعجز الموازنة.

وعن مستقبل عملية التطبيع هذه، يتوقّع الأستاذ جمول أن تصبح هذه العملية أكثر صعوبة بعد العدوان الصهيوني المستمر والمدعوم أميركياً على غزة والضفة الغربية ولبنان واليمن وسورية وإيران. فهذا العدوان الذي لم يتمكن من تحقيق أغراضه بالقضاء على قوى الممانعة وإخضاعها، قد ترتبت عليه فاتورة مرتفعة وغير مسبوقة من الخسائر البشرية والمادية والبيئية ستبقى محفورة في ذاكرة الشعوب العربية المستهدفة. 

التطبيع وإن بقي في مستواه الرسمي، كما هو حالياً، فإن الأنظمة العربية المطبعة ستجد تفسها في وضع حرج للغاية، يجعل احتفاظها بعلاقات علنية ودافئة مع الكيان الصهيوني مكلفاً للغاية، ومستنزفاً لسمعتها ومواردها وصورتها داخلياً وخارجياً، وبما يفوق بكثير مردود العلاقة مع الولايات المتحدة. 

وفي سياق متصل، ومع تولي الإدارة الأميركية الجديدة بزعامة دونالد ترامب، منسق "اتفاقيات أبراهام" والمرابي الجشع، فمن المتوقع وفقًا للباحث الاقتصادي مزيداً من استنزاف وسرقة موارد الدول العربية المطبعة سراً وعلانية. أما مصير مكاسب عملية التطبيع الاقتصادية بالنسبة الكيان الصهيوني، فإنها تبقى متوقفة على الخواتيم النهائية للمواجهة الجارية حالياً مقابل محور الممانعة. 

الكيان الصهيونيالاقتصادالتطبيع

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة
قرار إقالة بار يخلق أزمة في الكيان.. تحذيرات من حرب أهلية
قرار إقالة بار يخلق أزمة في الكيان.. تحذيرات من حرب أهلية
جيش الاحتلال يُعزّز قواته في قطاع غزة
جيش الاحتلال يُعزّز قواته في قطاع غزة
تغيير دراماتيكي في وقت قصير: خطة ترامب تفقد ثقة "الإسرائيليين"
تغيير دراماتيكي في وقت قصير: خطة ترامب تفقد ثقة "الإسرائيليين"
القوات المسلحة اليمنية تنفّذ عملية نوعية ضدّ هدف عسكري للعدو جنوب يافا المحتلة
القوات المسلحة اليمنية تنفّذ عملية نوعية ضدّ هدف عسكري للعدو جنوب يافا المحتلة
العدو يتابع مسلسل اغتيالاته في غزة
العدو يتابع مسلسل اغتيالاته في غزة
منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية: سياسات ترامب التجارية تؤثّر سلبًا على النمو وتُفاقِم التضخم
منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية: سياسات ترامب التجارية تؤثّر سلبًا على النمو وتُفاقِم التضخم
اليمانيات يتحدّين الحصار الاقتصادي: الزراعة المنزلية لمواجهة فاعلة
اليمانيات يتحدّين الحصار الاقتصادي: الزراعة المنزلية لمواجهة فاعلة
"إسرائيل هَيوم": حرب "7 أكتوبر" كلفتنا مبالغ مالية ضخمة
"إسرائيل هَيوم": حرب "7 أكتوبر" كلفتنا مبالغ مالية ضخمة
ما بعد الحرب.. الكيان المحتل مأزوم اقتصاديًا
ما بعد الحرب.. الكيان المحتل مأزوم اقتصاديًا
غوتيريش اجتمع مع بو حبيب في المطار: سنبذل كل الجهود لتمكين لبنان من تحقيق الانتعاش الاقتصادي
غوتيريش اجتمع مع بو حبيب في المطار: سنبذل كل الجهود لتمكين لبنان من تحقيق الانتعاش الاقتصادي
هيئات مغربية تدين زيارات التطبيع مع الكيان الصهيوني 
هيئات مغربية تدين زيارات التطبيع مع الكيان الصهيوني 
التطبيع مع العدو: الكلمة الأخيرة للمقاومة
التطبيع مع العدو: الكلمة الأخيرة للمقاومة
"تجمع العلماء": التطبيع مع العدو لا يمكن أن يحصل في لبنان
"تجمع العلماء": التطبيع مع العدو لا يمكن أن يحصل في لبنان
بالأرقام| مؤشر التطبيع بين الدول العربية و"إسرائيل" 2020-2023: مستويات منخفضة جدًا 
بالأرقام| مؤشر التطبيع بين الدول العربية و"إسرائيل" 2020-2023: مستويات منخفضة جدًا 
دعوى قضائية في المغرب ضد زيارة وزيرة صهيونية 
دعوى قضائية في المغرب ضد زيارة وزيرة صهيونية 

خبر عاجل