معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

خطوات أميركية متهورة!
30/07/2019

خطوات أميركية متهورة!

عادل الجبوري

   خلال فترة زمنية قصيرة جدًا، اتخذت الولايات المتحدة الاميركية خطوتين متهورتين حيال العراق، الاولى تمثلت بفرض عقوبات على اربع شخصيات عراقية، تحت ذريعة تورطهم بالفساد وارتكابهم افعالا منافية لحقوق الانسان، والخطوة الثانية تمثلت بطرح مشروع قانون اطلق عليه "منع زعزعة استقرار العراق" من قبل لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، وبانتظار مصادقة مجلس الشيوخ عليه، والذي يتيح لواشنطن التدخل فيه عسكريًا متى ما شاءت.

 من الطبيعي أن تقابل مثل تلك الخطوات، بردود فعل سياسية وشعبية رافضة على نطاق واسع جدا. ولعل مجمل التساؤلات التي أثيرت، هي ذات طابع استنكاري وليس استفهامي، لأن ما تقوم به واشنطن وما تتخذه من خطوات في العراق أو في غيره من البلدان، لا يحتاج الى كثير من الشرح والتحليل والتفسير.

   ما هي السلطة التي تخول دولة مثل الولايات المتحدة الاميركية أن تصدر عقوبات وقرارات وقوانين تتعلق بدولة أخرى، لا تختلف عنها وفق القوانين والمواثيق والاعراف الدولية بشيء؟

   واذا كانت واشنطن، تتيح لنفسها وضع قوائم بالأشخاص الفاسدين والأشخاص الذين ينتهكون حقوق الانسان في بلدانهم، وتقرر شكل وتوقيت العقوبات ضدهم، ففي مقابل ذلك من له الحق في أي يفعل ذات الشيء مع الساسة الأميركان والمؤسسات السياسية والأمنية والاقتصادية والاعلامية الأميركية؟

   هل هناك من خول أميركا أو طلب منها أن تكون وصية على العالم، لتقرر من هو الجيد ومن هو السيء، ومن هو الارهابي ومن هو غير ذلك، ومن هو الديمقراطي ومن هو الديكتاتوري؟

    ليس بالضرورة أن تكون الشخصيات الأربع التي فرضت عليها الولايات المتحدة عقوبات، وقررت تجميد أصولها المالية، شخصيات نزيهة وبعيدة عن الشبهات، ولكن، هل انها-أي الولايات المتحدة الاميركية - مسؤولة ومعنية باتخاذ الاجراءات ضدها، أم أن هذا الأمر يقع على عاتق الحكومة العراقية والجهات ذات الاختصاص في العراق؟

   وهل أن أميركا قلقة فعلًا على استقرار العراق حتى تصدر قانونًا لمنع زعزعته، وهي التي تتحمل الجزء الأكبر مما مر به هذا البلد من مآسي وويلات طيلة عقود من الزمن، ابتداء من تمكينها لحزب البعث بعقليته الدموية الاستبدادية ليتسلط على رقاب ومقدرات ومصائر العراقيين بمختلف انتماءاتهم وتوجهاتهم، مرورًا بدفعه لشن الحرب على ايران، وغزو الكويت، وقمع الانتفاضة الشعبية بعد ذلك، ومن ثم غزوه في عام 2003 بحجة اسقاط نظام صدام وانهاء الديكتاتورية، وتفكيك كل المؤسسات والمنظومات والسماح باستباحتها ونهبها وتدميرها، وانتهاء بصناعة الارهاب القاعدي والداعشي التكفيري.

   أي استقرار هذ الذي تتحدث عنه واشنطن، سواء في العراق أو المنطقة؟

   لم يعد بوسع أبسط انسان أن يصدق مزاعم وادعاءات أصحاب القرار الاميركي ومن يروج لهم ويؤيدهم ويدعمهم، برغبتهم وسعيهم لمساعدة الشعوب على نيل السيادة والاستقلال والتمتع بالامن والاستقرار.

   ومن المفارقات الملفتة في مشروع قانون (منع زعزعة استقرار العراق)، انه يقضي بـ"فرض عقوبات على أي أجنبي ينوي القيام متعمداً بأي شكل من أعمال العنف، له غرض أو تأثير مباشر على تهديد السلام والاستقرار في العراق، أو حكومة العراق وتقويض العملية الديمقراطية فيه، أو تقويض الجهود الكبيرة لتعزيز البناء الاقتصادي والاصلاح السياسي أو تقديم المساعدات الإنسانية إلى الشعب العراقي".

   وليس من الواضح فيما اذا كان هذا القانون يسري على الاميركي باعتباره أجنبيا، أم أنه مستثنى من ذلك، والقضية برمتها موجهة لطرف أو أطراف معينة، في اطار حروب أميركا وصراعاتها العدوانية مع الآخرين؟ بالتأكيد الاميركي خارج نطاق القانون، وله ان يفعل ما يشاء، وما جرائم شركة بلاك ووتر الامنية، وانتهاكات سجن ابو غريب وغيرهما ببعيدة عن ذاكرة الكثيرين.

   ربما لم يبالغ من صّور ذلك القانون، والاجراءات والخطوات الاميركية الاخرى السابقة، والاصرار على استمرار التواجد العسكري الاميركي في العراق رغم الرفض القاطع له، توجها ومحاولات محمومة لجعل العراق ولاية اميركية، حتى وان لم يتم الاعلان عن ذلك صراحة.

    في ذات الوقت لا يبالغ من يقطع الشك باليقين، من يقول انه مثلما باءت كل الخطوات والمخططات الاميركية السابقة بالفشل والخسران، فإن خطواتها ومخططاتها الاخرى ستؤول الى نفس النتيجة، لان شيئًا لم يتغير.

   ويبدو أن السياسات الأميركية، لا تبتعد كثيرًا عما قاله أحد العلماء عندما سأله البعض عن معنى الغباء فرد قائلًا: "الغباء هو ان تكرر اتخاذ نفس الخطوات بنفس الظروف وتنتظر نتائج مختلفة"!

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف