نقاط على الحروف
قفص القمع السعودي..غرف الموت لا تبددها برامج ابن سلمان
سناء إبراهيم
لم يعد لدى السلطة السعودية ما يمكنها استخدامه للتغطية على سجلها الحقوقي سيء السمعة، وانتهاكاتها لحقوق الإنسان. صورة المداهمات وتقييد الحريات وتكميم الأفواه والاعتقالات والزج خلف القضبان، ترسم معالم سلطة قامت على سفك الدم، وتواصل بقاءها بسل السيف، وزج المعارضين لسياساتها في السجون، رغم ما يعتري تلك الغرف المظلمة من نتانة وانتهاكات. في أقل تشبيه لها يمكن وصفها بأنها "غوانتنامو" السعودية. حقيقةٌ لا تفتأ الرياض تبلورها، عبر ممارساتها التي تتمظهر على أجساد المعتقلين، الذين تروي أحوالهم إن خرجوا أحياء فصول ما كابدوه خلف تلك الجدران. جدران خرج من ورائها الكثير من الأجساد الهامدة، كشفت عن هول التعذيب والتنكيل المرتسم هناك. وللمثال لا الحصر، لا تغيب صور الشهيد الشاب مكيّ العريّض عن أذهان العالم، حيث عاد جثة منكّلًا بها بعد نحو أسبوع من احتجازه في توقيف شرطة القطيف في المنطقة الشرقية.
مشهدية السجون التي تنهمر بموجبها الانتقادات الحقوقية على الرياض، تسعى السلطات منذ وصول محمد بن سلمان إلى ولاية العهد لتبديدها، عبر مزاعم وممارسات شكلية تحملها مزاعم "الإصلاح". إصلاح لا يبدو أنه سوى صورة شكلية لا تمت لواقع السجون بصلة، خاصة مع الغموض المستشري الذي يلف ماهية المعتقلات ومراكز التوقيفات التابعة للمباحث العامة وهي توصم بأنها "سيئة السمعة".
وصول ابن سلمان إلى ولاية العهد ترافق وبَسْطَ نفوذه على شتى مفاصل الحكم، والإعلان عن رؤيته "2030" في نيسان/أبريل2016، التي تعنى بـ"الإصلاحات"، وكان بين بنودها ما يعنى ببعض السجون المنتشرة في "المملكة"، وترافقت مع حملة اعتقالات كبيرة طالت كتابًا ومفكرين وإصلاحيين ونشطاء ومدافعين عن حقوق الإنسان وغيرهم من المعارضين، الأمر الذي انعكس بصورة سلبية على صعود "الأمير الشاب"، فعمد إلى تغيير رسم المخططات وحاول إبراز مشهد مغايير للواقع خاصة للسجون، عبر ما سمي برنامج "إدارة الوقت".
في 26 تموز/يوليو المنصرم، تحت عنوان "إدارة الوقت"، فتح "سجن ذهبان" أبوابه محتفلاً بالمهرجان الثاني لأجنحة ما يعرف بـ"إدارة الوقت" داخل سجون مباحث جدة وهي السجون السيئة السمعة وتتكشف من خلفها الكثير من الحكايات التي تروي معاناة وعذابات المعتقلين داخلها، ولكن من أجل محو هذه الحقيقة القاتمة، عمدت السلطات إلى هذا البرنامج لإضفاء فصل مغاير للواقع، من خلال تبيان أن السجناء والمعتقلين لا يتعرضون للتعذيب والتنكيل وانتهاك حقوقهم بل إن مدة اعتقالهم واحتجازهم يتم استثمارها من قبل الإدارة لتنمية قدراتهم ومواهبهم وتعزيز إنتاجيتهم، وتحويل "المساجين الذين أسمتهم نزلاء، إلى عناصر فاعلة ومبدعين في مجالات عدة، وإعادة تهيئتهم للتعامل مع الحياة بطريقة تعزز إنتاجيتهم" بحسب مزاعمها.
المشهدية القاتمة التي تحاول الرياض عبر برنامج "إدارة الوقت" تبديلها والتعمية عنها، استخدمت عبرها عناصر ذات تأثير في المجتمع وأصحاب رأي اعتقلتهم وزجت بهم خلف القضبان، ضمن سياسة تكميم الأفواه والانقضاض على المعارضين ومواجهة أصواتهم، غير أن هذه الأصوات بعد وضعها في المعتقل، تستعملها السلطة لخدمتها في إبراز صورة مغايرة لحقيقتها عبر استخدام سطوة القمع والضغط والتهديد والترهيب، وهو ما تمظهر في نشر مقطع مصور للكاتب الصحفي صالح الشيحي، الذي اعتقل إثر اتهامه للديوان الملكي والعاملين فيه بالفساد، وعلى إثرها منع من الكتابة، بعدها اعتقل وحكم بالسجن خمس سنوات في المحكمة الجزائية المتخصصة في الرياض المعنية بقضايا "الإرهاب".
ظهور الكاتب الشيحي في سجن المباحث العامة ضمن برنامج "إدارة الوقت"، لا يعدو كونه محاولة من سلطات محمد بن سلمان للترويج لصورة مزيفة لا تمت إلى الواقع بصلة، إذ أن المضايقات والتهديدات التي يعانيها هؤلاء المعتقلون، وتهديدهم بالعزل الإنفرادي وما تحويه تلك الغرف من أشكال للتعذيب والتنكيل لا شك أنها تجبرهم على الظهور بما توده السلطة وأدواتها، وهو مما لا شك فيه أنه أداة ترهيب مؤذية ويمكن أن توصل بالمعتقل إلى حافة الموت، وهو ما يؤكده معارض سعودي (فضل عدم الكشف عن هويته).
يجزم معارضٌ للنظام السعودي - في حديث لموقع "العهد" - أن المضايقات والتهديدات والتدابير التي تتخذها إدارة السجون بحق المعتقلين من عزل انفرادي وتعذيب لا شك أنه يرعب المعتقلين وينكّل بهم، ويمنعهم من متابعة الحياة بشكل طبيعي، ويرى أن ما ظهر للإعلام عبر برنامج "إدارة الوقت" يشي بعملية الابتزاز التي سبقت المهرجان والتصوير الإعلامي له، ومن المؤكد أن من ظهر في المقاطع المصوّرة تعرض للتهديدات والضغط والاستدراج وانتهاك حقوقهم وتعرضهم لوجبات من التعذيب، التي لا تتوقف عند حدود ما يعيشه المعتقل في غرف الموت السعودية، بل يتعداه إلى تهديد العوائل التي لا تكون بمنأى عن الانتهاكات السلطوية التي يطلع عليها العالم، ويشاهد هشاشة النظام القائم.
حول أجواء التهويل والتخويف والترهيب التي حاولت الرياض تغييرها، عبر الترويج لمشهد جديد عن السجون في البلاد، يعلق رئيس المنظمة "الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان" الناشط علي الدبيسي في تغريدة عبر حسابة في "تويتر"، إنه كان من الأولى للسلطات أن تطلق سراح المعتقلين بدلاً من قمعهم وتصويرهم هكذا فيما يسمى برنامج "إدارة الوقت". ودوّن الدبيسي: "اعتقال الصحفي صالح الشيحي تعسفيا وحكمه بالسجن عبر محكمة وقانون الإرهاب لأنه انتقد فساد الديوان (الديوان الملكي)، ومحاولة إضفاء مقبولية اجتماعية بإظهاره في جولات رسمية، لن يجعل سجنه مستحسناً بل سيضيف قبحاً آخر".
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
25/11/2024
بيانات "الإعلام الحربي": العزّة الموثّقة!
22/11/2024
الإعلام المقاوم شريك الجهاد والتضحيات
20/11/2024
ما بين عامَي 1948 و2024 ما الذي تغيّر؟
20/11/2024
أن تصبح سردية العدو شغل LBCI الشاغل!
18/11/2024