آراء وتحليلات
من وراء اللعب بسعر صرف الليرة ؟
يوسف الريّس
يصرّ حاكم مصرف لبنان على أن الليرة مستقرة، ولا خوف من ارتفاع سعر صرفها في مقابل الدولار. إلا أن الواقع مغاير، فالليرة اللبنانية تتأرجح منذ صباح الأربعاء 21 آب لتهبط إلى مستويات قياسية لم تصل إليها في أحلك الظروف التي كان آخرها تغييب الرئيس سعد الدين الحريري في السعودية.
صباح الأربعاء 21 آب، عندما لوحت مؤسسة التصنيف العالمية "ستاندرد أند بورز" بتخفيض التصنيق الائتماني للبنان ردّت الأسواق بزيادة الطلب على الدولار بمقابل انخفاض الطلب على الليرة ما انعكس سلبا على سعر الصرف ليصل سعر مبيع الصّرافين للدولار إلى 1550 ليرة وشرائهم إياه ب 1500 ليرة.
عمدت السلطة السياسية والنقدية إلى التدخل لتأجيل التقرير المتعلق بالتصنيف الإئتماني للبنان في محاولة منها للعمل على الأسواق والأجواء العامة للإبقاء على التصنيف الحالي.
نجحت المباحثات في تحقيق التأجيل إلا أنها لم تنجح في الوصول إلى الهدف الأساسي لها للحفاظ على سعر الصرف الثابت لتتأرجح أسعار الصرف الخميس 22 آب ما بين 1560 ليرة والـ1565 مقابل الدولار الواحد في الأسواق.
علميًا، انصهار الليرة بات واقعًا يؤجل. إلا أن الواقع سيسود عاجلا أم آجلا لتبقى المخاوف من حدوثه تتعالى في الأوقات الراهنة.
عمدت السلطة النقدية للحفاظ على الليرة الثابتة على مدى ثلاثين عامًا منهكة بذلك ميزان المدفوعات وما يتضمنه ذلك من ضغط على الأسواق المحلية والإنتاجية. علاوة عى ذلك، احتكرت الأسواق العقارية القروض المدعومة لتنشل بذلك حركة الإنتاج بغير هذا القطاع.
كذلك الأمر، اتجه المصرف المركزي وعلى رأسه حاكم مصرف لبنان إلى الهندسات المالية للحفاظ على أرباح المصارف مبتعدًا عن تحقيق سياسة نقدية تحمي الليرة من خلال إنتاج حقيقي يساهم في اشباع حاجة السوق المحلية وبذلك خفض الواردات وبالتالي خفض الطلب على الدولار ورفع الصادرات وما ينتج عن ذلك من ضخ للدولار في الأسواق المحلية.
اعتمدت السياسة النقدية اللبنانية على جذب العملات الأجنبية خاصة من اللبنانيين المغتربين من خلال رفع الفوائد حتى باتت الاتهامات للدولة بأنها تصدّر مواطينها مقابل جذب الدولار. شلّت الفوائد المرتفعة حركة الإنتاج حتى بات الاقتصاد اللبناني ريعي بامتياز فلا استثمار في القطاعات الإنتاجية.
أما على صعيد المؤشرات الاقتصادية وعلى رأسها معدل التضخم، فقد تجاهلته الدولة على مدى خمسة عشر عاما لتقوم بتصحيحه عبر خطوة صادمة للاقتصاد تمثلت بسلسلة الرواتب والأجور مبتعدة عن قواعد الاقتصاد الأولى المتمثلة بتمليس الخضات عبر تصحيح سنوي للتضخم.
العرض الواقعي للأزمات المالية والنقدية في لبنان يكاد لا ينحسر. إلا أن نقطة الإنزلاق الأساسية للمستنقع الحالي يمكن تصويرها على أنها تتمثل بعدم قدرة المصرف المركزي على تلبية حاجة السوق لدعم قطاع العقارات من خلال قروض الإسكان. الأمر الذي أوقف آخر قطاع إنتاجي في البلد وجعل السوق اللبنانية في خمول.
إنهيار الليرة يعني رجوعها إلى مكانها الحقيقي بحسب قدرتها الشرائية وما ينتج عن ذلك من انخفاض في أسعار الصادرات اللبنانية على حساب المنتجات العالمية وارتفاع أسعار الواردات بالنسبة للأسواق المحلية وما سينعكس إيجابا على ميزان المدفوعات إلا أن هذه الفائدة ستكون صعبة المنال في ظل إنعدام الإنتاج المحلي.
الاستعراض لواقع الليرة اللبنانية وأزماتها المتعاقبة لا ينفي حقيقة فرصة تحقيق أموال هائلة من خلال المضاربة. فاللعب المتسارع بأسعار الليرة قد لا ينحصر بواقع تدهور الاقتصاد اللبناني وعدم قدرة المصرف المركزي على حماية الليرة. إن المضاربين الماليين ينتظرون فرصة انهيار عملة ثابتة لتحقيق أرباح خيالية. ومن هنا يولد سؤال آخر من وراء اللعب بأسعار الليرة؟
الدولاررياض سلامةالليرة اللبنانيةمصرف لبنان
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024