معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

سد النهضة الأثيوبي والأصابع الخليجية - الإسرائيلية
18/09/2019

سد النهضة الأثيوبي والأصابع الخليجية - الإسرائيلية

إيهاب شوقي

بعد اعلان تعثر المفاوضات بخصوص سد النهضة الاثيوبي، فإن المشروع يعود الى واجهة الأحداث ويتصدر عناوين الأخبار، في مصر خاصة، لأسباب متعددة وغاية في الأهمية والخطورة، يمكن أن نذكر أبرزها فيما يلي:

1 - خطورة المشروع على أمن مصر القومي في جانبه المائي والمتعلق بحياة واقتصاد عشرات الملايين من المصريين.
2 - تجدد المعلومات عبر التقارير المتواترة والتي تتكشف بها أصابع من يقفون خلف التمويل وخلف حماية السد وما يبطنه ذلك من نوايا سياسية واستراتيجية.
3 - التراشق السياسي الداخلي حول أسباب التجرؤ على بنائه دون تنسيق يضمن حقوق مصر، بين من يقول إن انتفاضة 25 يناير تتحمل المسؤولية باعتبارها أضعفت مصر وتسببت في أزمة داخلية أتاحت الفرصة لاقامة هكذا مشروعات، استغلالًا لانشغال مصر بأوضاعها الداخلية، وبين من يقول إن الدبلوماسية المصرية أخفقت في التعامل بطريقة صحيحة مما جعل هناك استهانة بمصر.

كل هذه العوامل تجعل من موضوع السد موضوعًا للتراشق وشبحًا مخيفًا يطارد المصريين ويسبب قلقهم العميق على مستقبلهم القريب جدا،ـ حيث من المنتظر أن تبدأ التداعيات فور اتمام المشروع وملء الخزان- والذي ينتظر أن يكون بعد عام أو أكثر قليلًا.

ولأن التراشق يعد رفاهية، مقارنة بخطورة الموضوع، ولأن تعريف المشكلة هو الخطوة الأولى اللازمة لحلها، فينبغي الاجتهاد في توصيف سليم للأزمة وأسبابها، والاجتهاد في تفسير وتحليل الملابسات والخلفيات والأطراف الداعمة لهكذا مشروعات ونواياها، وهو ما سنحاول الاجتهاد به عبر قراءة موجزة، يمكننا استعراضها في هذه النقاط:

هناك تزامن بين تدشين السد وبين مرحلة جديدة أريد لها أن تشهد سيطرة صهيونية على الاقليم

1 - هناك مقولة للكاتب المسرحي والمفكر الشهير "جورج برنارد شو" تقول: "لا نتوقف عن اللعب لاننا كبرنا .. لقد كبرنا لأننا توقفنا عن اللعب". وهكذا تشيخ الدول وتضعف قواها عندما تتوقف عن المقاومة وخوض التحديات، على عكس ما يراد تصديره لنا، ان الدول تتخلى عن المقاومة والتحديات بسبب ضعفها وشيخوختها.
وبكلام أكثر وضوحًا ومباشرة، يمكننا أن نقول إن مصر لم تتخلّ عن خيار المقاومة وما يفرضه عليها من تحديات بسبب ضعفها وازمتها الاقتصادية والسياسية، وانما حدثت ازمتها الاقتصادية والسياسية بسبب تخليها عن خيار المقاومة وما يفرضه من سياسات وتحديات.

2 - ما يقال إنه تجرؤ افريقي على مصر أو استهانة بها، هو في واقع الأمر ليس توصيفًا صحيحًا، لأنه لو قبلنا بهذا التوصيف، فإن العلاج سيكون نوعًا من فرض السطوة المصرية على القارة بالقوة، وسيكون مفهوم الاخضاع مرادفًا للانقاذ، في حين أن مكانة مصر في القارة الافريقية لم تكن يومًا عبر الاخضاع بالقوة العسكرية أو بالضغوط، وإنما كانت عبر القوة المعنوية والمصالح المشتركة وبلورة خيار تحرري جعل دول القارة دولًا ترتضي بالقيادة المصرية وهي من تقوم على صيانة مصالحها.
وبترك الساحة الافريقية فريسة للتوغلات الصهيونية والخليجية (وكلاهما يخدم ذات الاجندة الامريكية)، أصبحت مصر واحدًا من مجموع، أو مجرد زميل في معسكر تابع دون فكر قائد أو الهام أو توجه يستطيع فرض القوة المعنوية المشار اليها، وحدث انكشاف استراتيجي للقارة، مما جعل هناك تهافتًا على الالتحاق بمعسكرات أخرى ومظلات مختلفة للحماية، وأصبحت المساعي الفردية للدول هي البديل عن التحرك الجماعي.

3 - التزامن الحادث بين انتفاضة يناير وتدشين بناء السد، يبدو أنه مزيج من الاستغلال بالفعل لفرصة انكفاء متوقع على أوضاع داخلية، وتدشين ورقة ضغط تقطع الطريق على أي تغيير محتمل في الخيارات، لأن السد ليس مجرد خطر يمكن التخويف به، بل هو استنزاف اقتصادي مركب، فهو يقلص مساحات زراعية هامة من جهة، ويتطلب توفير تكلفة مشروعات للتحلية وتعويض العجز في الاحتياجات المائية من جهة اخرى.

وقد أوضحت بعض التقارير أن هناك بنودًا تفصيلية تتعلق بـ 70 مليار جنيه مصري ستتحملها مصر في بناء محطات تحلية المياه على مدى تسع سنوات للتعويض عن فترة العجز التي ستنتج عن عملية ملء الخزان، كما تضمن البند تدابير أخرى ستتخذها مصر، بما في ذلك تقليل المساحات الشاسعة من المحاصيل كثيفة الاستخدام للمياه مثل الأرز، ومقدار الخسائر المالية التي تتحملها مصر في هذا السياق، وكيف تحولت من بلد مصدر للمحاصيل إلى بلد مستورد.

4 - هناك تزامن أيضًا بين تدشين السد وبين مرحلة جديدة أريد لها أن تشهد سيطرة صهيونية على الاقليم، عبر خلط انتفاضات الشعوب بثورات مصنوعة، وتم صك مصطلح "الربيع العربي" لاحتواء هذا الخليط، على أمل استعماري بأن تقع المنطقة تحت سيطرة المشروع الصهيو - امريكي بشكل كامل، عبر حكم وكلاء المشروع بشكل مباشر من جهة، مع خلق بؤر ابتزاز وخنق استراتيجي لاجبار من تبقى على الخضوع لهذه البؤر وعدم الفكاك من قيود المشروع الاستعماري.

ولهذا ليس مستغربًا ما يتم تسريبه من تقارير تفيد بأن ثلاث شركات إسرائيلية قامت بتركيب نظام الدفاع الجوي Spyder-MR ، والذي يمكنه في وقت واحد إطلاق نوعين مختلفين من الصواريخ، في شهر مايو الماضي لحماية السد الإثيوبي.

وليس مستغربًا أيضًا تعثر المفاوضات وتزامن التعثر مع قرارت إسرائيلية بزيادة استثماراتها في أديس أبابا في مجال الطاقة لتصل إلى 500 مليون دولار، وقد أعلنت وكالة الأنباء الإثيوبية إينا المملوكة للدولة أن شركة جيجا وات جلوبال الإسرائيلية أعلنت عن رغبتها في استثمار حوالي 500 مليون دولار في إثيوبيا في مجال الطاقة المتجددة وتنمية الموارد البشرية داخل البلاد.

كما أعلن الرئيس التنفيذي لشركة Giga-watt Global، جوزيف إ. أبراموفيتش، أنه التقى برئيس الوزراء الإثيوبي هيليمريم ديساليجن إلى جانب شركات إسرائيلية أخرى لمناقشة تفاصيل المشروع. وأضاف أن شركته، المتخصصة في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، تخطط للعمل مع عشر جامعات إثيوبية.

انه مجرد نداء للعقول الاستراتيجية في مصر لتأمل مسارات التهديد الحقيقية

وشركة Giga-watt Global مجرد شركة واحدة من بين 10 منظمات إسرائيلية أخرى ناقشت مع رئيس الوزراء الإثيوبي الفرص التجارية وجو الاستثمار في العديد من المجالات بما في ذلك تنمية الطاقة وتنمية الموارد البشرية والتعليم ومياه الشرب والزراعة.

ولأن الخليج دوما حاضر في مشاهد التوسع الصهيونية، فقد أفادت التقارير بأن دول الخليج العربي تدرس وجود رابط للكهرباء مع إثيوبيا لاستيراد الطاقة الكهرومائية، وفقًا لمشغل الشبكة في المنطقة.

حيث تدرس وكالة الربط البيني التابعة لدول مجلس التعاون الخليجي جدوى وجود كابل سيمر عبر اليمن- ولنتأمل العلاقة بين العدوان على اليمن وبين خريطة مرور الكابل- كجزء من الجهود المبذولة لتقليل الاعتماد على النفط والغاز في توليد الطاقة.

وقد زار وفد رفيع المستوى من السعودية موقع إنشاء سد النهضة الإثيوبي الكبير في عام 2016. وفي مايو / أيار، جعل رئيس وزراء إثيوبيا الجديد أبي أحمد الرياض أول نقطة نداء له بعد جيران إفريقيا من السودان وكينيا وجيبوتي.

انه مجرد نداء للعقول الاستراتيجية في مصر لتأمل مسارات التهديد الحقيقية، فوجود نظام مقاوم باليمن هو خير حماية لمصر من التهديدات البحرية وكذلك التهديدات الوجودية المتعلقة بمشروعات المياه والطاقة المخطط لها اسرائيليا وخليجيا، كما أن أمن الخليج والذي تسري نغمة بأنه من أمن مصر، لا يمكن ان يكون عبر مشروعات اثيوبية اسرائيلية خليجية مشتركة، لأن أمن الخليج هنا أصبح مرادفًا لأمن العدو الصهيوني، بينما أمن الخليج الحقيقي هو الامن القومي العربي دون فصل للحلقات، وهو لا يقوم الا بتعاون كل دول الخليج ومنها ايران، لا مناصبة العداء لها واختراع تهديدات لا تصب الا في صالح التمدد الصهيوني.

إنه نداء لعقول مصر الاستراتيجية لاعادة الحسابات وانقاذ ما يمكن انقاذه قبل أن يصل السهم المنطلق من قوس صهيو - امريكية بتعاون أنظمة خليجية الى قلب القاهرة الذي لا يحتمل مزيدًا من السهام.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات