آراء وتحليلات
سياسة ترامب الخارجية .. استراتيجية الهزيمة والانكفاء
د. علي مطر
يقول أستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفرد "ستيفن والت" في كتابه The Hell of Good Intentions: America's Foreign Policy Elite and the Decline of U.S. Primacy (النوايا الطيبة: نخبة السياسة الخارجية وأفول صدارة الولايات المتحدة) إن الهيمنة الليبرالية التي قادت الولايات المتحدة إلى الاعتقاد بانها تستطيع صياغة العالم حسبما تراه أوقعها في ما هي فيه من الهزيمة في سياساتها الخارجية، متحدثاً عن سذاجة أطروحاتها وتهافت فرضياتها في الاستراتيجية التي اتبعتها في سياساتها على الرغم من لحظة الاحادية القطبية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.
يرى والت أن قادة السياسة الخارجية الأميركية تسببوا، لإخفاقاتهم المتكررة، بانحدار مكانة أميركا في العالم، ويرى أن ما يسمى الهيمنة الليبرالية، أي لعب دور المهيمن لإدارة النظام العالمي بحسب الرؤية الليبرالية قد فشلت. ومع ذلك، ظلت ثلاث إدارات متعاقبة ـ كلينتون، بوش، وأوباما ـ متشبثة بها، حتى حين تفاقمت الكلفة وتضاعفت المستنقعات، دون أن يختلف الأمر مع دونالد ترامب الذي زاد معه الانحدار الأميركي، وربما وفق ما نرى حالياً الانكفاء.
لقد نظّر جهابذة الولايات المتحدة الأميركية، في ثمانينيات القرن الماضي، لفكرة القرن الأميركي وهيمنة الولايات المتحدة الأميركية على السياسة الدولية، لتصبح واشنطن هي الدولة القائدة بعد مقاومة الايديولوجيات المعادية للمصالح الأميركية والتي كانت تتمثل في الاتحاد السوفياتي. هكذا دعا وليام كريستول وهو أحد صقور المحافظين الجدد في عهد الرئيس دونالد ريغان، لكن ذلك لا يكفي إذ لا بد أن يتم الترويج لأفكار جديدة تسوق عملية قيادة الولايات المتحدة الأميركية للعالم وهذا ما تحدث عنه روبر كاغان مؤسس دائرة التفكير في مشروع القرن الأميركي الجديد.
كان هناك آخرون مع هذه الدعوة منهم فرانسيس فوكوياما في كتابه نهاية التاريخ، إلا أن الدراسة التي صدرت عن كريستول وكاغان الآنفي الذكر عام 1996 بعنوان (نحو سياسة خارجية ريغانية جديدة) كان لها الأثر الأكبر في انطلاق مشروع القرن الأميركي الجديد عام 1997 أو الإمبراطورية الأميركية بعد عام 2000، وبعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر التي سمحت لجورج بوش أن ينفذ الاستراتيجية المحضرة مسبقاً بالسيطرة على الشرق الأوسط كأحد مواطئ القدم الأساسية للسيطرة على العالم، وتسويق رؤية القيادة والإدارة من قبل الولايات المتحدة الأميركية للعالم، كبديل عن القيادة الثنائية بعد أن ثبت والده القطبية في حربه على العراق 1991.
لم تكن النظريات الأميركية السابقة مخطئة إلى حد يدفع الى القول إن تنظير القرن الأميركي لم يكن جديراً بالاهتمام، وإن واشنطن بنت حساباتها على معطيات لم تمكنها من الإبقاء على قرنها، فواشنطن لا تزال تؤثر في مفاصل هذا النظام ولكن الهيمنة الأميركية لم تعد ممكنة كما يخال البعض، لا سيما أننا نرى الإخفاقات المتعددة للإدارات الأميركية منذ حرب العراق 2003 مروراً بحرب تموز/ يوليو 2006 في لبنان وصولاً إلى حربها بالوكالة على سوريا، ومع وصول دونالد ترامب إلى السلطة بدأ بمقدورنا الحديث عن إنكفاء الإدارة الأميركية عن الاستراتيجية السابقة نتيجة فشل سياساتها الخارجية في إدارة ملفات عدة في العالم.
يمكنني القول إن أحد أهم الأسباب التي زعزعت هذه القطبية الأميركية، هو الفشل في محاربة الإرهاب والذي ظهر كادعاء أميركي فقط دون تطبيق جدي وهو ما يراه الأميركيون أنفسهم، ومن ثم دخول الولايات المتحدة الأميركية في حروب خاسرة في أفغانستان والعراق وسوريا، والدخول في سياسات غير واضحة وفق معايير مزدوجة جعلتها تغطي على السعودية في حربها على اليمن الذي تحول البلد المعضلة في مواجهة واشنطن خاصةً بعد الضربة القاسية على أرامكو وما أفرزته من تداعيات على المشهد الاقتصادي العالمي، أو من خلال دعمها لجماعات إرهابية، هذا فضلاً عن فشل أميركا في تقسيم العراق عبر كردستان، أو في إخضاع الجمهورية الإسلامية في إيران، هذا فضلاً عن فشل في تغيير نظام الحكم في فنزويلا أو في إخضاع كوريا الشمالية التي باتت تهديداً حقيقياً لواشنطن.
ففي فنزويلا مثلاً فشلت سياسة الولايات المتحدة لتغيير نظام الرئيس نيكولاس مادورو، وثبت أن اعتماد إدارة دونالد ترامب لتغيير النظام الفنزويلي على استراتيجية التهديد والعقوبات، قد فشلت في زعزعة النظام. وعلى سبيل الاستشهاد فقد أشارت مجلة فورين أفيرز الأميركية إلى أن اعتقاد إدارة الرئيس دونالد ترامب بأن ممارسة ضغوطات على مجموعات داخل النظام ـ لفرض انتقال ديمقراطي سريع وسهل ـ كان تشخيصا خاطئا. إذاً فشلت هذه الإستراتيجية بعد أن وضعت لأول مرة من قبل مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون بخطاب ألقاه في ميامي مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، حيث أعلن حينها أمام مجموعة من الجمهوريين الكوبيين الأميركيين معارضة إدارة ترامب "ترويكا الاستبداد" أي كل من كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا التي لها علاقات وطيدة مع كل من الصين وروسيا. وكما فنزويلا فقد فشلت سياسة ترامب حيال سوريا وكوريا الشمالية التي لم ترضخ لخطة ترامب بنزع سلاحها النووي.
وكذلك فشل ترامب الذي يعاكسه الوقت في تطبيق استراتجيته ضد طهران، حيث لم يستطع على الرغم مما فرضه من عقوبات فرض سياساته عليها ولي ذراعها، بل إننا نرى كيف يسعى إلى عقد لقاء مع رئيسها، حيث يسابق الوقت، ففي صيف 2020 سيبدأ ترامب حملته الانتخابية، غير أن استطلاعات الرأي لا تصب في مصلحته فضلاً عن السعي الحثيث من قبل الديمقراطيين لعزله، وكما فشلت سياساته في ملفات عدة حيث بدأت الإدارة الأميركية تتحول إلى الانكفاء وعدم فتح حروب جديدة، فإن عقوباته حيال لبنان سيكون مآلها الفشل، إذ لن يستطيع أن يلوي ذراع حزب الله ومحاصرة بيئته وإسقاطه، والقراءات التاريخية للمواجهة تثبت ذلك.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024