آراء وتحليلات
أميركا - السعودية وخيارات الرد على هجوم "أرامكو"
سركيس أبوزيد
عُدّ ھجوم القوات المسلحة اليمنية على "أرامكو" تطورًا استراتيجيًا مھمًا وخطيرًا. فھذا الهجوم لا يشبه في مغزاه ونتائجه أي ھجوم آخر، لأن الضربة تجاوزت الحد "المحمول" أميركيا وجاءت بأضرار كبيرة، وفي توقيت دقيق متزامن مع وساطة فرنسية وإغراءات أميركية ورغبة ترامب في لقاء الرئيس روحاني.
ھجوم "أرامكو" اليمني، شكل نقطة التحوّل في مجرى الأحداث وفي مسار الوساطة الفرنسية، التي رأت أن ھذا الھجوم بدّل المعطيات ووسّع الفجوة في المناقشات، بحيث إن لقاء ترامب - روحاني لم يعد الموضوع الأول وإنما تقدمت مسألة خفض التصعيد واستعادة مسار التھدئة. فخطة ماكرون لخفض التصعيد كانت تقضي برفع جزئي للعقوبات الأميركية مقابل عودة طھران الى الاتفاق النووي وقبول التفاوض بشأن برامجھا البالستية وسياستھا الإقليمية. في ھذه الدوامة من الشروط والشروط المضادة، غرقت المبادرة الفرنسية رغم دينامية ماكرون والإسناد الذي جاءه من بريطانيا وألمانيا ودول أخرى ورغبة الجميع في تجنب التصعيد والحرب في الخليج وحاجة ترامب إلى مخرج.
أما في "إسرائيل" فقد كان ھناك أجواء تشويش وتحفظ على الوساطة الفرنسية. مشكلة "إسرائيل" مع الأوروبيين أنھا ترفض مساعيھم للتوصل الى صيغة حل بين واشنطن وطھران، في حين أن فرنسا ومعھا الدول الأوروبية الرئيسية ترى أن انھيار الاتفاق النووي ھو انھيار الإنجاز الدولي الوحيد في العقود الأخيرة.
وتراھن "إسرائيل" حاليًا على استمرار الضغوط كبديل عن المفاوضات، وعلى أن يؤدي تفاقم الضغوط الى ردة فعل إيرانية باتجاه تجاوز التزاماتھا وسقف برنامجھا النووي، وإما في اتجاه عمل عسكري، وبما يؤدي في الحالين الى رد فعل أميركي - أوروبي يعيد إنتاج خريطة موازين قوى جديدة في المنطقة. لكن، حدث ما لم تتوقعه "تل أبيب"، إذ أقال الرئيس الأمريكي ترامب مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون، الذي بنظرها أراح إيران وأقلق "إسرائيل" وشجع على تضييق مسافة اللقاء بين روحاني وترامب.
وهنا، ليس مھمًا تحديد الأسباب التي دفعت الى استقالة أو إقالة جون بولتون، المھم الآن ھو تحديد كيف سيكون لھذا التغيير في أعلى منصب حساس في الإدارة الأميركية والأقرب الى الرئيس في البيت الأبيض، من تأثير وانعكاس على صعيد الملف الإيراني، وتحديدًا في مسألة اللقاء بين ترامب وروحاني، فقد ظھرت الخشية واضحة من أن تكون إقالة بولتون مقدمة لتحوّل في سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران، حيث يكمن التھديد المركزي للأمن الإسرائيلي. فاجتماع أميركي - إيراني، إذا عُقد، سيوفر رياحًا داعمة لإيران، حتى لو لم يؤدّ بالضرورة إلى إلغاء فوري للعقوبات. وفي ذلك، تشير "ھآرتس: "ما دام بولتون في البيت الأبيض، فھو مؤشر على أننا لا نتجه لتسوية مع إيران، فھو لن يسمح بذلك. لكن مع الإقالة، الجواب بات واضحًا، والاتفاق النووي 2 في الطريق، وفي توقيت سيئ وأكثر إشكالية".
سعودياً، هم يرون أن عملية "أرامكو" سببت أضراراً اقتصادية، حيث توقف ضخ كمية من إمدادات النفط الخام تُقدّر بنحو 5.7 ملايين برميل يوميا.
وفي النتائج السياسية، كان من الطبيعي أن يثير ھذا الھجوم قلقا دوليا واسعا لأنه أصاب مباشرة أمن واستقرار الاقتصاد العالمي وأسعار النفط وأمن واستقرار منطقة الخليج.
والسؤال هنا، ھل يرد ترامب على ھجوم "أرامكو"؟ وكيف؟
الرد الأميركي أو كيفية تعاطي ترامب مع الھجوم على "أرامكو" مسألة مطروحة بقوة في أوساط المحللين والخبراء الأميركيين الذين يتفقون في توصيف الوضع، وفي اعتبار أن ھذا الھجوم ھو نقطة تحوّل في مسار المواجھة مع إيران، ووضع ترامب في موقف صعب وحرج في حالتي الرد أو عدمه. ولكنھم يختلفون، وبشيء من الحيرة والغموض، في تحديد وتقدير ماھية وطبيعة الرد الأميركي والخطوة التالية من جانب ترامب الذي لا يريد الحرب مع إيران حتى لو وقفت وراء ھجوم "أرامكو"، فھو يجاھر بعدم رغبته في الحرب ليكون ھذا الموقف الشيء الثابت والواضح في سياسته الخارجية، وھو ما زال مراھنا على ان الإيرانيين يريدون التوصل الى "اتفاق"، ولا يجد ترامب حرجًا في تذكير السعودية بالتعويضات والأثمان المالية التي تتوجب عليھا، وفي القول إن "السعوديين ستكون لھم مشاركة كبيرة إذا قررنا أن نفعل شيئا ما، وھذا يتضمن الدفع وھم يفھمون ذلك تماما".
في المقابل، يبرز سؤال هنا، عن خيارات وخطط السعودية للرد على إيران. فالسعوديون في تقييمھم لھجمات "أرامكو" يرون أن ما حصل ھو " 11 أيلول سعودي"، بمعنى أن ھذه الھجمات تعني للسعودية في خطورتھا وأھميتھا ما عنته ھجمات 11 أيلول 2001 بالنسبة للأميركيين. ولذلك فإن السعودية ترى أن الرد مسألة محسومة ولا يبقى إلا تحديد ماھيته ليكون في مستوى الھجوم. ولكن من الصعب أن نتوقع ردًا أميركيًا غير تعزيز العقوبات من جھة، وتعزيز الدفاعات السعودية من جھة ثانية، فمن الواضح أن السعودية مقيّدة بالحسابات الأميركية وملزمة بالتحرك تحت سقف الموقف الأميركي. ومن الواضح أن ھذا الموقف ھو "النأي" عن الحرب واللجوء الى "حل سلمي".
بات واضحاً أن ترامب لا يريد الحرب لأن عينه على انتخابات الرئاسة بعد عام، وحتى لا يُفسد فرصه في البقاء ولاية ثانية في البيت الأبيض. فالحرب تھدد فرصته في الفوز لأنھا تضع 70 ألف جندي أميركي منتشرين في المنطقة في دائرة الخطر، ولأنھا تضع أسعار النفط والطاقة في مھب الريح، ما يُلحق الأذى والضرر بالاقتصاد الأميركي القوي الذي يُعدّ نقطة القوة الأساسية في حملة ترامب وشعبيته. وبعد ھجمات "أرامكو" لم يذھب الرئيس دونالد ترامب الى أكثر من تشديد للعقوبات الاقتصادية. حسابات ترامب في ھذه الآونة "انتخابية بامتياز"، وھو يعلم أن الرأي العام الأميركي لا يؤيد الانزلاق الى حروب ولا البقاء في مستنقعات الشرق الأوسط وأفغانستان. ويعلم أيضًا أن النفط العربي لم يعد له تأثير كبير على الاقتصاد الأميركي الذي صار لديه "اكتفاء ذاتي" من استخراجات النفط الصخري وبكميات ھائلة.
بالإجمال، ھناك استبعاد للخيارات العسكرية، وھذا الاستبعاد ستكون له تداعيات كبيرة على ھيبة الولايات المتحدة وقدرتھا على السيطرة على مناطق عديدة من العالم وعلى علاقاتھا مع حلفائھا. وستكون له مفاعيل أخرى لجھة سعي دول الخليج إلى بناء شراكات أخرى على المستوى العسكري مع الدول المنافسة للولايات المتحدة كروسيا والصين، والأخطر، على المستوى السياسي، من خلال طلب توسط روسي مثلا مع إيران لإيجاد مخرج للأزمة الحالية، إذا لم تعد الولايات المتحدة قادرة على حماية المصالح الحيوية لحليف كالسعودية.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024