آراء وتحليلات
ظهور البغدادي.. "عودة" أو "إعادة" لـ"داعش"؟
محمد محمود مرتضى
لم يمض سوى خمسة أشهر على اطلالته المصورة الأخيرة أواخر شهر نيسان / ابريل الماضي، حتى ظهر زعيم تنظيم "داعش" ابو بكر البغدادي من جديد، في تسجيل صوتي هذه المرة حمل اسم "وقل اعملوا".
وكانت مؤسسة "الفرقان" للإنتاج الإعلامي التابعة للتنظيم بثت في السادس عشر من الشهر الماضي، كلمة صوتية للبغدادي، توعد فيها البغدادي بمواصلة العمليات خلال الفترة المقبلة.
في التسجيل الأخير، بدأ البغدادي حديثه بدعوة مناصريه إلى "الجهاد"، مشيراً إلى ما وصفها بـ"مبايعات جديدة" لخلافته. ثم تحدث البغدادي عن أماكن مختلفة يقود فيها التنظيم عملياته اليومية، منها مالي ومنطقة الشام والشرق الأدنى دون تحديد الدول التي تتم فيها تلك العمليات، داعياً الى "استهداف رجال الأمن والمحققين والقضاة في السجون" التي يقبع فيها عناصر "التنظيم". وكذلك طالب اتباعه بـ"الصبر"، وقال: إنَّ "دولة الإسلام التي أقامها تنظيم الدولة ما تزال قائمة ومستمرة لتحقيق أهدافها عقب نصف عقد مضى على إقامتها". وأشار إلى أنَّ التنظيم لا يزال يستقبل العناصر والمبايعين الذين ينضمون إلى صفوفه حتى اللحظة، وسيستمرون في قتال أعدائهم.
وأضاف البغدادي إنَّ عناصر التنظيم استهدفوا في "غزوة الاستنزاف احدى عشرة دولة بما مجموعه ثلاث وستون عملية خلال ثلاثة أيام، متبعين إياها بغزوة الاستنزاف الثانية بما مجموعه (152) عملية".
منذ أن تزعم البغدادي تنظيم "داعش"، ومن ثم الاعلان عن خلافته المزعومة، لم نعهد منه هذه الاطلالات المتقاربة نسبياً، ما يثير علامات استفهام وتساؤلات عن السبب، وما الذي ميّز المرحلة الحالية التي استدعت هذه المثابرة على الظهور وتوجيه الرسائل؟
في السياق، يصعب فصل اطلالات البغدادي ومحاولة التنظيم استعادة نشاطه في مناطقة متفرقة في سوريا العراق عن التصريحات المتكررة لمسؤولين أميركيين يحذرون من عودة "داعش"، وأنّ خطر التنظيم لا يزال ماثلاً.
وكان مسؤولون أميركيون، من بينهم وزير الخارجية مايك بومبيو، قد حذر من مخاطر عودة "داعش" الى الساحة العراقية، رغم اعلان الرئيس الاميركي النصر على التنظيم. على أنّ التهديدات الأمريكية المتكررة بعودة التنظيم غالباً ما تأتي في وقت ترتفع فيه الأصوات في العراق حول ضرورة اعادة النظر بالاتفاقات الأمنية والعسكرية المبرمة بين حكومة بغداد وواشنطن.
على أنه لا داعي للتذكير بالكثير من الملابسات التي رافقت تمدد "داعش" في كل من العراق وسوريا والدعم الذي تلقاه، وما يزال، التنظيم. اضافة الى علامات الاستفهام الكبيرة التي رافقت سلوك "داعش" وخططه، والتي غالبًا ما كانت تصب، ويا للمصادفة، في مصلحة واشنطن أولاً وأخيرا.
صحيح أننا لسنا من أنصار عقلية المؤامرةـ لكن والحق يقال، إننا لسنا سذجاً للقبول بنظرية "الصدف المتكررة". ومن هنا فإن المطلوب من واشنطن تقديم ايضاحات وتفسيرات جدية ومعتبرة، ولن تكون قادرة على ذلك، حول هذه المصادفات المتكررة وكون معظم، ما لم نقل كل، خطوات "داعش" كانت تصب في مصلحتها على وجه الخصوص، فضلًا عن المصادفات في كون العدد الأكبر من قيادات الصف الأول لـ"داعش" كانت من خريجي سجن بوكا الذي كانت تديره القوات الامريكية في جنوب العراق.
من هنا، فإننا لا يمكن أن نفهم تحذيرات واشنطن ومراكز أبحاثها من خطر عودة "داعش" الى العراق، الا على أنه في الحقيقة تهديد باعادة "داعش" لا عودته. وهكذا لا نغامر اذا قلنا إن اطلالات زعيم التنظيم ابو بكر البغدادي ليست سوى تلبية لتلك التهديدات، والاعلان عن جاهزيته للعودة، عند الطلب.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024