معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

الحرب التركية بين تداعياتها على الأمن العربي وموقف العرب منها
10/10/2019

الحرب التركية بين تداعياتها على الأمن العربي وموقف العرب منها

د.علي مطر

يُسفر صراع مختلف القوى الإقليميّة والدّوليّة، للاستئثار بأكبر نصيبٍ من المكاسب الميدانيّة في المنطقة العربيّة، عن متغيراتٍ كبرى في المشهد الجيوسياسي. شكّل دخول تنظيم "داعش" إلى سوريا والعراق، أحد أوجه الاستفادة للدّولة التّركية لتوسيع نفوذها في دول الجوار العربيةّ، وبالتّالي توسيع نفوذها في الشّرق الأوسط، وهو ما يعتبر أحد أوجه التهّديد للأمن القوميّ العربيّ. 

أهداف التواجد التركي في الشمال السوي وخطورته

يعد التّواجد التّركيّ في شمال سوريا، عامل تهديد لأمن سوريا واستقرارها، بعد أن خرقت أنقرة السّيادة السّوريّة ودخلت إلى مدن شمال سوريا ومنها الحرب التي تشنها شرق الفرات، فضلاً عن دعمها للمعارضة والتّنظيمات المسلّحة ضدّ الحكومة السّوريّة. وتأتي خطورة الدور التركي في سوريا كونها الحدود التّركيّة - السّوريّة هي الحدود البريّة الأطول لتركيا، إذ تبلغ حوالي 900 كلم، بكلّ ما يعنيه ذلك من مصالح ومهدّدات مشتركة ومتبادلة، بغض النظر عن عمق العملية الحالية التي تصل إلى حدود 110 كلم بين في الخطّ الحدودي الشمالي الذي يربط مدينتَي رأس العين وتل أبيض.

يعتبر أحمد داود أوغلو في كتابه "العمق الاستراتيجي موقع تركيا ودورها في الساحة الدولية" أنّ مكانة تركيا دولياً مرتبطةٌ بشكلٍ مباشرٍ بمكانتها في محيطها وأدوارها الإقليميّة التّي تلعبها، وقد رأى أنّه كلما لعبت بلاده أدواراً أكثر فاعليةً في الشّرق الأوسط، كلّما ارتفعت مكانتها في الساحة الغربيّة – الدّوليّة. لذلك تحاول تركيا عبر خلطها الأوراق في شمال سوريا، والدخول في حرب قد تكون حساباتها غير متكاملة لتحقيق انتصار مفترض، أن تثبت أنها شريك لا يمكن الاستغناء عنه في رسم مستقبل منطقة الشرق الأوسط السياسي، مستفيدة من موقعها الجيوسياسي على حدودها مع العراق وسوريا، فضلاً عن التخلص من التهديد الكردي المفترض من قبلها لتخلص من فرضية تمكن قوات قسد من تحقيق حكم ذاتي في المنطقة، فمن المعلوم أنّ أنقرة تسعى إلى منع الأكراد من فرض تواصل جغرافيّ على طول حدودها الجنوبيّة، بين المناطق التّي يسيطرون عليها في الحسكة في أقصى الشّمال السّوريّ وعفرين في أقصى الشّمال الغربيّ، وبالتّالي منعهم من إقامة حكم ذاتيّ مستقل على حدودها الجنوبية. أضف إلى ذلك إنشاء منطقة عازلة على الحدود مع سورية تستفيد من وجودها لإعادة النازحين من بلادها ومن ثم التفاوض عليها في مفاوضات تحديد مستقبل المنطقة، خاصةً في ظل عدم تمكنها من إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا.

تبدل المشهد العربي على ماذا يدل؟

لقد شنّت تركيا عمليّتين عسكريّتين في سوريا تحت مسمّى محاربة "داعش" و"حزب العمّال الكُردستانيّ"، الأولى حملت اسم عملية "درع الفرات"، والثانية باسم "غصن الزّيتون". نفذت عبر "درع الفرات" عام 2016 عمليّات في المنطقة الواقعة بين نهر الفرات إلى الشّرق والمنطقة التّي يُسيّطر عليها "داعش" و"قوّات سوريا الدّيمقراطية" حول أعزاز إلى الغرب. ومن ثم دخلت القوّات التّركيّة إلى مركز مدينة عفرين في الثامن عشر من آذار/ مارس 2018، بعد شهرين من شنّها للعمليّة التّي أطلقت عليها (غصن الزيتون). اليوم تستكمل تركيا مشروعها من خلال شن عملية "نبع السلام" في شرق الفرات، حيث يُشكّل دّخولها إلى الأراضي السّوريّة، تهديداً واضحاً لسوريا، التّي رفضت التّعدّي على سيادتها، واحتلال أراضيها. مع ذلك لم نسمع في السابق عند قيام تركيا بدعم التنظيمات الإرهابية، والدخول إلى الشمال السوري في الأراضي الممتدة من حلب إلى غرب الفرات، أي أصوات مستنكرة، وعلى وجه التحديد لم نسمع أصواتًا عربية تستنكر هذه الاعتداءات. فما الذي تبدل اليوم في المشهد العربي لتصدر مواقف عربية شديدة اللهجة للعملية العسكرية التركية في شرق الفرات، من قبل السعودية ومحورها، والتداعي إلى إجتماع عاجل واستثنائي لجامعة الدول العربية؟

الحرب التركية بين تداعياتها على الأمن العربي وموقف العرب منها

لم تترك السعودية ومن معها فرصة إلا واستغلوها لاستهداف سوريا والتآمر عليها، وقد وفروا للمسلحين شتى أنواع الدعم. عملوا على تقويض السيادة السورية، والمساهمة في إحتلال أراضيها وإسقاط بنية الدولة، خاصةً من خلال توفير البيئة لـ"داعش" وغيره من التنظيمات، للإنتشار في سوريا من أجل كسر الحلف السوري الإيراني. فالسعودية لا تنظر إلى "داعش" على أنه قضية جيوسياسية، وهي تولي أهميتها للإعتداء على اليمن العربي كونها تنظر له على أنه قضية جيوسياسية لها. كذلك الأمر كانت الجامعة العربية غائبة كلياً عن حفظ أمن سوريا وسلامة أراضيها، لم تظهر الجامعة كمنظمة إقليمية فاعلة في مواجهة الأزمات، بل ذهبت إلى المشاركة في التآمر على سوريا، أما اليوم فإن هذا الانقلاب المفاجئ في الموقف يأتي في ظل التنافس - إذا لم نقل الصراع التركي - السعودي - على القيادة والزعامة في الشرق الأوسط، حيث تحاول السعودية إسقاط أي مشروع منافس على زعامة المسلمين من أهل السنة والجماعة في المنطقة.

لكن على الرغم مما تقدم، فقد يشكل الربط بين هذا الموقف العربي الطارئ، وموقف أمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، دافعاً قوياً لإحداث خرق في الموقف العربي من الحكومة السورية، خاصةً في ظلّ دعوة مصر إلى عقد اجتماع طارئ لجامعة الدول العربية يوم السبت المقبل، تحت عنوان "بحث العدوان التركي على سوريا". كل ذلك يأتي في ظل التراجع السعودي على المستوى الإقليمي، على أثر الهزائم المتكررة في اليمن، بعد استهداف أرامكو ومن ثم عملية الأسر الكبرى التي نفذها الجيش اليمني، ناهيك عن خسارة الرهان على الحرب الأميركية الإيرانية بذريعة الملف النووي الإيراني، ومن ثم الإنكفاء الذي تنفذه إدارة دونالد ترامب في المنطقة، والسعي الحثيث من قبلها لعقد محادثات مع إيران، حيث لم يعد أمام السعودية إلا العودة والإنفتاح وتقبل الأمر الواقع للتبدلات الحاصلة في منطقة الشرق الأوسط، ما قد يدفعها للذهاب فعلياً نحو فتح صفحة جديدة مع الرئيس السوري بشار الأسد في ظل التراجع الذي تشهده في مجمل هذه الملفات الحاكمة.
 

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات