آراء وتحليلات
أولى مفاعيل استقالة الحكومة: تأخير العمل بالاصلاحات
عبير بسّام
بغض النّظر عن تحول الحراك الشعبي في السابع عشر من الشهر الماضي، والذّي ركبت موجته بعض الأحزاب بهدف تنفيذ مخططات خارجية، إلّا أنّ المطالب المعيشية كانت محقة. وبعد انقضاء مهلة الـ 72 ساعة التي أعلنها رئيس الحكومة سعد الحريري، ظهرت الورقة الإصلاحية، والتي حملت صيغة ليست فقط معدلة، بل ثورية مقارنة بالصّيغة التّي أعدّت سابقًا، واعتمدت على فرض الضرائب المجحفة على الفقراء وذوي الدّخل المحدود واستفزت الحراك في الشّارع.
ويبدو أنّ هناك من لم ترق له الورقة الإصلاحية، فاستغل الشارع وصولًا الى التحريض على قطع الطّرقات وارتفاع الأصوات المطالبة بسقوط النّظام، بغض النّظر عما يعنيه أصحابه.
على الرّغم من محدودية الإصلاحات التّي حملتها الورقة الإصلاحية، إلّا أنّها كانت تعتبر خطوة أوّلية نحو مشاركة المصارف في دفع متوجباتها تجاه الدّولة اللبنانية بعد أن قامت الحكومات المتتابعة منذ العام 1992 بحماية مصالحها الخاصة. كما تضمنت الورقة العديد من البنود التّي تصب في مصلحة المواطن في لبنان، ومنها إقرار قانون العفو العام، وقانون التّقاعد والحماية الإجتماعية، والقوانين المتعلقة بمشاريع استعادة الأموال المنهوبة واقرار الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد وإصدار القوانين المتعلقة بإنشاء هيئة وطنية لمكافحة الفساد، وهي المطالب التي صدحت بها حناجر المتظاهرين. صحيح أنّ هذه الخطوات تحتاج إلى التّفعيل، وليس الاحتفاظ بها كمشاريع قوانين في الأدراج، لكنها تشكل بداية نحو الدّفع في هذا الاتجاه، فقوانين تعزيز الشّفافية تمكن المواطنين بجميع فئاتهم من الاطلاع على نتائج أعمال الدّولة ومحاسبتها على التّقصير.
يعد تعزيز الشّفافية، المراقب الأهم خلال عملية رفع المخالفات النّهرية والبحرية وغيرها من التعديات على الأملاك العامة. لكن التّدبير الهام الذّي كان يفترض بالحكومة التّوجه نحوه خلال الأشهر الثّلاثة قبل نهاية العام الحالي، هو الإصلاح في قطاعي الكهرباء والماء، حيث يكمن أساس معاناة اللبنانيين المحرومين من أبسط حقوق المواطنيّة. أما الاستقالة، فهي تبدو وكأنها هروب الى الأمام وتخلٍّ عن المسؤولية في المعالجة، وكأنّها جزء من محاولة تثبيت الحالة الرّاهنة المحكومة من قبل أصحاب المولدات مثلًا، ليبقى المواطن اللبناني رهينة ما اعتادت عليه أجيال منذ الحرب الأهلية وحتى اليوم "كهربة اشتراك أو دولة؟".
صحيح أن الورقة الإصلاحية لم تكن على المستوى المطلوب، بل هي خطوة أولة باتجاه البناء، فالدّولة أهملت القوانين التّي تدعم قطاعي الصّناعة والزّراعة على مدى عقود، ولن يكون التغيير سريعًا في السياسة الاقتصادية.
إنّ السّياسة التّي بنيت عليها الاستقالة جاءت بناء على بيع موقف للشّارع، وقد تسببت بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في تأخير أو تجميد العمل بالورقة الاصلاحية، وتأخير المشاريع التي كان ينتظرها البلد لدفع الانهيار الاقتصادي عنه.
لحسن الحظ، يبدو أن ما عجزت الحكومة عن تحقيقه، تلقفه وبحركة ذكية، رئيس مجلس النواب نبيه بري من خلال إعلانه ممارسة حق مجلس النواب في إصدار التّشريعات من خلال تشريع القوانين التي تنظم جرائم الفساد ورفع السّرية المصرفية واسترداد الأموال المنهوبة وإنشاء محكمة خاصة بالجرائم المالية. لقد ذهب الرّئيس بري إلى مكان لم تكن لدى الحكومة الجرأة في الذّهاب إليه، والتي تمثل بحد ذاتها مطالب اللبنانيين في الشّارع. وإذا ما نفذت هذه الوعود والقوانين فعلياً، عندئذ يمكننا التّبؤ بمستقبل أفضل للبنان.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024