آراء وتحليلات
لماذا وصل لبنان الى هذا المسار الاقتصادي؟
محمد علي جعفر*
في الحديث عن المسار الاستراتيجي للأزمة الاقتصادية في لبنان يبدو واضحاً أننا بتنا في عمق الأزمة ولا أُفق للحل. كافة المؤشرات الحالية سلبية، لكنها ليست مُفاجئة فهي مُكمِّلة لمؤشرات سابقة بدأت تتبادر منذ العام 2016. السؤال الأبرز اليوم، لماذا وصلنا في البلاد الى هذه المرحلة؟ وهل كان في الإمكان تفادي ما يجري؟
ولعل مقاربة الواقع الحالي تحتاج لوضعها ضمن إطارٍ من الحقائق وليس التحليلات، وهو ما يقود مباشرة للحديث عن أصل المشكلة والتي تعود للنموذج الاقتصادي في لبنان. فيما يُعيد أغلب المراقبين الأزمة للمعالجات، دون الاعتراف بأن أصل المشكلة يعود لبنية النموذج الاقتصادي اللبناني السائد منذ قيام لبنان والتي ترسخت أكثر بعد الطائف مع اعتماد اقتصاد السوق الحر. وهو ما تجري الإشارة اليه اليوم في النقاش المتعلق بالأزمة الاقتصادية وضمن إطار السياسات المالية والنقدية منذ العام 1993.
منذ أسبوع سعت المصارف بعد عودتها الى ممارسة عملها كالمعتاد، الى تنفيذ عدة إجراءات لإدارة الأزمة النقدية. وكان من ضمن ذلك اللجوء الى تنفيذ قرارات منع التحويلات المصرفية للخارج، ووضع سقوف على سحب المودعين لأموالهم وصولاً الى منع المصارف من توزيع أرباح المساهمين للسنة المالية 2019، والتي أصدرها المصرف المركزي (منها قرارات صدرت شفهياً بالاتفاق دون تعميم خطي). هذه القرارات شكلت بحد ذاتها مؤشرات دلت على حجم الكارثة المالية والاقتصادية التي بات يعاني منها لبنان. لكن يبدو بحسب ما يتحدث الخبراء، أن المصارف فشلت في تطبيق القرارات خصوصًا تلك التي أغضبت المودعين لا سيما الكبار منهم والذين هددوا باللجوء الى القضاء، مع معلومات تحدثت عن تهريب مصرف لبنان لرساميل بعض المودعين (ما يُعرف بالمودعين المميزين) الى الخارج!
اليوم يجري الحديث عن سعي المصرف المركزي لشرعنة قراراته، من خلال اقتراحها كقوانين عاجلة. وفي ظل ذلك، يسأل الجميع عن إمكانية المعالجة. لكن فرض القرارات تحت سقف القانون، يعني حجب الميزة التاريخية للقطاع المصرفي اللبناني. ما يدل على أن الوضع بات سيئاً لدرجة تقتضي الحفاظ على الموجودات من الدولار، ولم تعد عملية جذب المزيد من الودائع ذات أهمية! وهو ما سيؤدي لنتائج كارثية حيث سيُصبح لبنان مُهدداً بقدرته على شراء السلع الضرورية والصناعية. كما سيُفعِّل ذلك من نشاط السوق السوداء للدولار وأسواق تهريب البضائع وسيؤدي بالنتيجة الى تراجع حركة ودورة العمل مع ما يعنيه ذلك من آثار ونتائج اجتماعية لا يحتملها لبنان!
في استشراف المستقبل لا يبدو أن الأمور قابلة للمعالجة، فيما التساؤلات التي يجب ان تطرح، تتعلق بالسبب خلف الوصول بالبلاد الى الواقع النقدي الحالي، والى أي مدى كانت تصريحات حاكم مصرف لبنان، تُعبر عن الوضع النقدي الحقيقي؟ ولماذا لم تتضح حقيقة كمية الدولار الموجود، مع ما يعنيه ذلك من أثر مباشر على سعر الليرة اللبنانية؟ وهل ثمة من يُراهن على الحلول ويُدخلها في لعبة مقامرةٍ قد تودي بالبلاد نحو المجهول؟
من الواضح أن كل ما يمكن فعله اليوم، هو إيجاد آلية للحد من الخسائر وإدارتها!
* باحث في نظم السياسات والحوكمة
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024