آراء وتحليلات
"إسرائيل" بين جيشين
هيثم عبّاني
منذ تأسيس الكيان الصهيوني، كانت العقيدة القتالية للجيش الإسرائيلي، أو المفهوم الأمني الاستراتيجي لـ"إسرائيل"، انه من أجل "الدفاع"، يجب الهجوم ونقل القتال الى أرض العدو. هكذا خاضت "إسرائيل" حروبها ضد الدول العربية. لكن مع الاندحار من جنوب لبنان عام 2000، بدأ التحول في هذه العقيدة، فالجيش الإسرائيلي انكفأ الى داخل حدود هذا الكيان ما استوجب وضع خطط دفاعية عن الحدود وتشكيلات لهذه المهمة، لأول مرة في تاريخه.
يقول ضابط رئيسي في الجمع القتالي وقائد منظومة حماية الدفاع عن الحدود أمير أبشتاين، في دراسة نشرها في "مركز دادو للفكر العسكري ما بين المجالات"، انه "في العقدين الأخيرين دخل عنصر الدفاع إلى المفهوم الاستراتيجي للجيش الإسرائيلي، إضافة إلى الحسم، الردع والتحذير"، في الموازاة تطوّر "جيش الدفاع عن الحدود"، ومن ضمنه تشكيل الدفاع عن الحدود الذي يشكّل جزءا من الذراع البرية".
التطورات التي حصلت في العقدين الأخيرين، بفعل الانتصارات التي حققتها المقاومة وانكفاء "إسرائيل"، سواء من جنوب لبنان أو من مستوطنات غزة وتسليم المناطق "A" في الضفة الغربية، فرضت على الجيش الإسرائيلي تخصيص جزء كبير من موارده في الخطط الدفاعية عن الحدود، من بناء عوائق وجدران، تجهيزات فنية وإلكترونية على الحدود، تشكيلات قتالية داخل المستوطنات، الى إجراءات يتخذها الجيش في حال وقوع أي حدث أمني، وكان آخرها حالة الطوارئ بعمق ستة كيلومترات على الحدود الشمالية، كما يشبه الحزام الأمني يمنع فيه اقتراب المستوطنين من الحدود، وتحليق الطائرات المدنية مع إلغاء التحركات العسكرية المكشوفة، وذلك بعد تهديد حزب الله بالرد على المسيرات فوق الضاحية الجنوبية، الامر الذي يستنزف قوات الجيش الإسرائيلي المخصصة للمناورة القتالية في مهمات دفاعية وتخصيص تشكيلات خاصة لهذه المهمة.
ويشير أمير أبشتاين الى انه "في العشرين سنة الأخيرة يمكن ملاحظة أنه بموازاة عمليات الاستثمار المنظمة القائمة في مبنى قوة المناورة، يستثمر الجيش الإسرائيلي استثمارا آخذا بالازدياد في مكونات الدفاع. هذا الاستثمار قاد إلى تطور غير رسمي لجيشين: جيش المناورة الهجومي وجيش حماية الحدود".
في الخلاصة، صحيح أن استراتيجية الجيش الإسرائيلي القتالية ترتكز على الهجوم ونقل القتال الى الطرف الآخر ـ الخصم ـ لكن ما نراه عمليا في حالات الطوارئ والعمليات العسكرية هي عمليات دفاعية، هجوم بالنار عن بعد في اغلبها (تكثيف استخدام سلاح الجو والقصف المدفعي وتراجع في عمليات المناورة البرية). هذا الوضع خلق تباينا بين المفهوم الاستراتيجي القومي وبين المفاهيم العسكرية. وفي المقابل نجحت المقاومة بكل فصائلها، وعلى رأسها حزب الله في لبنان، "في تحسين أساليب العمل والوسائل العملانية التي بحوزتها مع استمرار مباغتتنا وتحقيق الأهداف" بحسب أمير أبشتاين. وما كان يتغنى به قادة العدو الإسرائيلي من ان "إسرائيل هي "فيلا في غابة" او "جزيرة نائية في بحرٍ عاصف""، أصبح في واقع الامر "فيلا هناك من يطرق جدرانها"، لم تعد نائية، وتستنزف قاطنيها للدفاع عنها.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024