آراء وتحليلات
كيف ردت بغداد على البيت الابيض؟
بغداد ـ عادل الجبوري
انها ليست المرة الاولى، وبالتاكيد لن تكون الاخيرة..
هكذا كانت مضامين مجمل المواقف وردود الافعال العراقية على البيان الاخير الذي صدر عن البيت الابيض الاميركي، الذي تضمن دعوة واضحة وصريحة الى اجراء انتخابات برلمانية مبكرة، كحل ومخرج للازمة الراهنة في الشارع العراقي، مع جملة انتقادات للحكومة واتهامات لايران.
ولا شك ان ما صدر من البيت الابيض، يمثل تدخلا سافرا في الشأن الداخلي العراقي. ولايختلف اثنان على ان مثل تلك المواقف والتوجهات، بعيدة كل البعد عن السياقات الدبلوماسية الصحيحة التي تقوم عليها العلاقات بين الدول، ولعل المعروف ان الولايات المتحدة الاميركية لم تعر ادنى اهتمام لتلك السياقات، بل انها غالبا ما كانت تلجأ الى القوة العسكرية وحبك المؤامرات والعمل على اخضاع الانظمة والحكومات واذلال الشعوب من اجل تمرير مصالحها وفرض اراداتها.
وحتى لا نذهب بعيدا، فإن الستة عشر عاما المنصرمة، شهدت الكثير من الماسي والكوارث والمشاكل والازمات التي حلت على الشعب العراقي، وكانت وراءها واشنطن وحلفاؤها واتباعها وذيولها في المنطقة، وهي لم تكن في يوم من الايام حريصة على استقرار وامن وازدهار العراق، بل انها سعت وما زالت تسعى الى اخضاعه لها بالكامل، ولانها وجدت من يقف بوجهها ويتحداها فإنها راحت تعمل وتتحرك بطريق واساليب مختلفة وتوظف كل ادواتها ووسائلها الاعلامية والسياسية والمخابراتية لذلك.
ومن دون ادنى شك فإن ما اكدته المرجعية الدينية الرشيدة في بيانها الاخير، برفض كل اشكال التدخلات الخارجية في الشأن العراقي، وان ابناء الشعب العراقي هم من يقررون كيفية حل ومعالجة المشاكل والازمات التي تعانيها البلاد، عبر الاساليب والوسائل السلمية، واستنادا الى احكام الدستور وضوابط القانون والنظام، لم يأت من فراغ، وانما جاء على ضوء قراءة دقيقة للوقائع والاحداث، وتشخيص صائب لمحركاتها واهدافها.
ولعل المواقف الوطنية والشعبية الرافضة للتدخلات الاميركية في الشأن العراقي، تعد رسالة بليغة وواضحة ينبغي لساسة البيت الابيض ان يقرأوها بتمعن، قبل ان يتهوروا ويتسرعوا.
فعلى الصعيد الرسمي، كانت وزارة الخارجية العراقية واضحة جدا في بيانها بهذا الخصوص، حينما شددت على استقلالية القرار العراقي، ورفض اية تدخلات خارجية بشؤونه.
وتعزز الموقف الرسمي العراقي، بمواقف سياسية وشعبية داعمة وساندة ومؤيدة، ليظهر بالتالي صوت عراقي واحد وصل صداه الى البيت الابيض.
فالامين العام لحركة عصائب اهل الحق الشيخ قيس الخزعلي، اكد في تغريدة له على موقع التواصل الاجتماعي (تويتر)، "إن تصريح البيت الأبيض كشف عن حجم التدخل الامريكي في الشأن العراقي، وهو دليل ان مشروع الانتخابات المبكرة هو مشروع أمريكي بالأساس يُراد إحياؤه رغم ان المرجعية الدينية رفضته سابقا عندما أكدت على الانتخابات الدورية، وان الكلمة الاخيرة هي كلمة المرجعية المعبرة عن مطالب الشباب المتظاهر".
وفي ذات الاتجاه، شدد رئيس المجلس الاعلى الاسلامي العراقي الشيخ همام حمودي على "ان أفضل من يعبر عن طموحات الشعب العراقي والأكثر حرصا على استقرار العراق وازدهاره هو المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف لا البيت الابيض ولا غيره"، مؤكدا على "ان الشعب العراقي واع لمن يريد ان يجعل العراق ساحة للصراع ويجره لخدمة مصالحه مستغلا احتجاجات الجماهير وتظاهراتهم السلمية".
اما رئيس ائتلاف دولة القانون ورئيس الوزراء الاسبق نوري المالكي فقد اكد على ضرورة اجراء الاصلاحات بعيدا عن التدخلات الخارجية، وشدد على ان العراق يريد اصدقاء يساندونه وليس اعداء يتدخلون بشؤونه، في اشارة واضحة الى التدخلات الاميركية المتكررة في الشأن العراقي.
رئيس تيار الحكمة الوطني السيد عمار الحكيم، ادان من جانبه كل اشكال التدخل الخارجي في الشأن الداخلي العراقي، مؤكدا قدرة العراقيين على اصلاح شأنهم الداخلي، قائلا في تغريدة له "ان العراق للعراقيين حقيقة ناضل من اجلها ابناء هذا الشعب الابي وقدموا دماء ودموعا وتضحيات جساما من اجل عزتهم وكرامتهم، وانهم ابناء وطن واحد يجمعهم مصير مشترك، وهم قادرون على معالجة مشاكلهم ضمن مؤسساتهم الدستورية".
في ذات الوقت، حمل زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر، الولايات المتحدة الاميركية مسؤولية المشاكل والازمات التي يواجهها العراق ودول اخرى في المنطقة، حيث .. "مرة أخرى تثبت امريكا المحتلة أنها حشرية وتتدخل بشؤون الآخرين، وان العراق عراق الشعب، وهو من يقرر مصيره، وخصوصا إذا التفتنا الى أن احتلالها جلب الفاسدين وسلطهم على رقاب الشعب، وأنها تطالب بعدم حجب الانترنت على الرغم من أنها المتحكم الأكبر بتلك الشبكة".
وخاطب الصدر الاميركيين، قائلا "كفاكم تدخلا بشؤوننا، فللعراق كبار يستطيعون حمايته، ولا يحتاج الى تدخلات، لا منكم ولا من غيركم، واننا وان طالبنا بانتخابات مبكرة، لكننا لن نسكت ان كانت بإشراف أمريكي.. ولن نسمح لأمريكا بركوب الموج لتحويل العراق الى سوريا والى ساحة صراع أخرى".
وبذات الاتجاه تحدثت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب العراقي واطراف وشخصيات سياسية اخرى تمثل عناوين مختلفة في المشهد السياسي، في حين طالبت اطراف اخرى بأغلاق السفارة الاميركية في بغداد وطرد السفير وباقي اركان السفارة، باعتبارها تمثل مركزا للتجسس وحبك المؤامرات والتحريض وتأزيم الشارع العراقي.
وجاءت دعوات اغلاق السفارة الاميركية في الوقت الذي تداولت فيه وسائل اعلام معلومات نقلا عن مصادر مطلعة، مفادها، "ان التصريحات الاميركية الاخيرة حول الاحداث التي تحصل في العراق، جاءت بعد ان قامت القوات الامنية العراقية باعتقال العديد من عملائها والذين ارسلتهم سفارة واشنطن في بغداد للمشاركة في التظاهرات واشاعة الفوضى هناك".
ونقلت وكالات انباء عن المصادر تأكيدها، "ان العديد من العملاء والمرتزقة الذين جندتهم السفارة الاميركية في بغداد قد اعتقلوا مؤخرا وادلوا ببعض الاعترافات الخطيرة التي كشفت دور السفارة والمال الخليجي في تأجيج الشارع العراقي واستغلال بعض ضعاف النفوس فضلا عن المواطنين البسطاء في نشر الكراهية بين المواطنين والقوات الامنية".
وتشير المصادر الى "ان السفارة الاميركية تشعر بقلق بالغ حاليا لكون اوراقها قد كشفت بشكل واضح، فجاء دور البيت الابيض كمنقذ ليدلي بتصريحات تسنتكر ما اسمته بالاستخدام المفرط للقوة، والدعوة الى انتخابات مبكرة".
ان ما ينبغي التأكيد عليه هنا هو ضرورة تكاتف وتازر جميع القوى والتيارات السياسية والمجتمعية العراقية من اجل تجاوز الازمة الراهنة والمحافظة على السلم الاهلي والانطلاق بقوة في مسيرة الاصلاحات المطلوبة، وللوقوف بوجه كل الاجندات والمشاريع التخريبية والتدميرية، ومنع اية تدخلات خارجية، فحاضر ومستقبل هذا البلد لايقرره سوى ابنائه المخلصين الاوفياء الصادقين، لا القابعون في البيت الابيض.
ومن خلال نظرة موضوعية، ينبغي القول ان الخطوات والاجراءات التي اقدمت عليها السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية العراقية حتى الان، تبدو مرضية ومشجعة، وتؤشر الى ان الشروع بتلبية مطالب الحراك الجماهيري السلمي بدأ فعليا بمسارات صحيحة وصائبة، وان كانت بطيئة نوعا ما.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024