معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

قراءة في عوامل الخطر الدولية والاقليمية الراهنة
16/11/2019

قراءة في عوامل الخطر الدولية والاقليمية الراهنة

إيهاب شوقي
ربما تكمن المشكلة الرئيسية دوليا واقليميا وربما داخليا في كثير من الدول، في تغير التوازنات الاستراتيجية بما يشكل تغيرا للنظم الاستراتيجية القديمة، دون وجود نظم وليدة جديدة.

وربما تكمن المخاطر في غموض تشكل النظم الجديدة، وهو ما يعني انتفاء وجود مرحلة انتقالية، بل الاخطر في هذه المرحلة هو غموضها وصعوبة تشكلها وصعوبة توقع ماهيتها.

ولمزيد من التوضيح، فإن النظام العالمي ما بعد الحرب الباردة والذي تبلور قبل نحو ثلاثين عاما مع انهيار جدار برلين، وولادة نظام تسيطر عليه فكرة الاحادية القطبية، قد انتهى باتفاق جميع المحللين والخبراء، وكانت التوقعات تشير الى ولادة نظام جديد، ولكنه يبدو متعثرا بسبب تداخلات المصالح، ومرارة التجارب السابقة.

فالنظام البديل هو تعددية قطبية وغالبا ما تصل لدرجة من الاستقطاب لتبلور في النهاية قطبين كبيرين، حيث تتحد مجموعة من الاقطاب لتشكل قطبا كبيرا في مواجهة اخر تشكّلَ بذات الطريقة.

الا ان الاقطاب الرئيسية بينها تداخلات في المصالح ولديها ايضا هواجس ومخاوف من حدة الصراع ووصوله الى حرب باردة جديدة، او انزلاق الامور لحرب عالمية مدمرة.

ولأن التحليلات الرصينة تستبعد انزلاق الامور لحرب عالمية كبرى بسبب الدمار الشامل والرادع النووي المتبادل، فإن نمط الحرب الباردة هو المرجح، ولكن هذا النمط ايضا يصعب تشكله ويتعقد تبلوره، ربما لأسباب كثيرة يمكن ان نرصد منها ما يلي:

1ـ كان الاستقطاب القديم قائما على تنوع ايدلوجي، بين قطب راسمالي ليبرالي، وقطب شيوعي شمولي، وكانت المحاور تتشكل وفقا للتقارب الايدلوجي، فنجد الدول ذات النزعة الاشتراكية تتقارب مع القطب السوفيتي، وكذلك الحال في القطب الاخر الامريكي.

2ـ شهد عصر الحرب الباردة صراعا بين الاستعمار والتحرر الوطني، مما عمق من الاستقطاب، حيث ارتمت الدول العميلة في الحضن الامريكي الاستعماري، بينما تلاقت مصالح حركات التحرر الوطني مع القطب السوفيتي.

3ـ كانت الاسواق منفصلة ولم تتعمق العولمة بالشكل الذي تداخلت فيه الاسواق بين المتنافسين، ولم تكن هناك المميزات التكنولوجية والذكاء الاصطناعي، وكل المتغيرات التي قلصت الفوارق بين الاقطاب وافقدت بعض الاقطاب مميزاتها وتفوقها، فاتيحت للصين مميزات تكنولوجية كسرت التفوق الامريكي، كما لم تعد العمالة الرخيصة ميزة للصين بفعل الروبوتات والتقدم التكنولوجي!

هناك بالطبع اسباب كثيرة شكلت متغيرات تجعل من وجود احلاف تشكل تعدد اقطاب وحرب باردة جديدة امرا معقدا، وهو ما يجعل هناك تجمدا في الوضع ويمدد البقاء على جسر الانتقال في النظام العالمي.

ومكمن الخطورة هنا، هو ان وضعًا كهذا هو وضع مرهق، سواء للدول، وايضا للجسر، فلن يتحمل جسر كل هذه الاثقال الراسية عليه دون انتقال او تخفيف للاحمال، وبالتالي فهو معرض للانهيار، كما لن تتحمل الدول بقاءها طويلا في وضع استراتيجي غامض تتوقف خططها المستقبلية على تحديده، وهناك دول لا يمكنها العيش يوما بيوم، بل لا تستطيع تحمل العيش دون خطط طويلة الاجل لترتيب امورها واقناع شعوبها.

لاسباب كهذه، نشهد انقسامات في الداخل الامريكي، وارتباك في الاتحاد الاوروبي، وذلك للميراث الاستعماري والاعتياد على الهيمنة، بينما هناك ثبات اكبر في دول حسمت امرها بأنها لا تابعة ولا استعمارية وانما تقوم بحماية مصالحها مع الطموح لأخذ وضع متقدم في توسيع المصالح وحماية التوسع، مثل الروس والصينيين.

واقليميا، هناك انعكاس لهذا الوضع، فمنذ خفوت المد القومي، لم يتشكل نظام عربي له ملامح، بل هناك اقطاب عربية، وحالة حرب باردة يحمي وطيسها كثيرا بين العرب، كما لم يتشكل نظام اقليمي له ملامح واضحة من التعاون او التنافس، بل كل ما هنالك، هو تحالفات ضيقة تتنافس على خدمة مصالح الاستعمار في النهاية وتتلاقى عندها.

والمحور الوحيد الذي يحمل فكرا وايدلوجية، هو محور المقاومة، حيث يحمل راية التحرر الوطني، كما يحمل مشروعا نهضويا، وهو المشروع الوحيد حاليا الذي يحمل الوحدة ويرفع رايتها، والمحصلة ان هناك حصارا وحربا على المقاومة وهو ما يعرقل وجود نظام اقليمي من الاساس.

وفي داخل الدول، هناك ايضا صعوبة في الانتقال من النظم القديمة لنظم اخرى وليدة، فقد انكشفت جميع حيل واباطيل الليبرالية الغربية، كما انكشفت حيل الاستبداد والتجارة بالشعارات، وانعدمت الثقة في البدائل، وهو ما يجعل الاوضاع ضبابية، ويجعل من الصعوبة بمكان، تحديد مستقبل للنظم ونمطها.

في وضع دولي واقليمي وداخلي كهذا، تبقى الفوضى هي سيدة الموقف، وتبقى الملفات مفتوحة دون تسويات بانتظار المجهول، وتبقى الجسور مثقلة ومعرضة للانهيار.

الا ان التمسك بالثوابت والمقاومة هو الخيار الوحيد الصالح للبقاء ودرء المخاطر، لأن التبعية او الهيمنة، غير مضمونة العواقب، بينما الوقوف على ارضية صلبة فكريا والاعتماد على الذات اقتصاديا تشكل طوقا للنجاة عند انهيار الجسور.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات