معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

ايجابيات الحراك العراقي ومحاولات
22/11/2019

ايجابيات الحراك العراقي ومحاولات "الاستغلال" الأميركية

بغداد: عادل الجبوري

   لا يختلف اثنان في أن الحراك الجماهيري - في شقه السلمي - الذي اندلع في الشارع العراقي مطلع شهر تشرين الاول - اكتوبر الماضي، أسهم كثيرًا في تحريك المياه الراكدة، ووّلد حراكًا سياسيًا واسعًا على المستويين الأفقي والعمودي، باتجاه الاصلاحات ومراجعة سلبيات وأخطاء وهفوات المراحل السابقة. وما كان لهذا التقدم السياسي الاستثنائي أن يظهر لولا الحراك الجماهيري السلمي، ولعل هذا من بين أبرز مظاهر وسمات الأنظمة والمجتمعات الديمقراطية، التي لا تفكر بالتوسل واللجوء الى الأساليب والوسائل العنفية لتمرير وفرض ارادتها.

   قد لا يعكس المستوى العام للحراك السياسي وما يفرزه من مخرجات ونتائج، كل مطالب وطموحات وتطلعات الحراك الجماهيري، وقد لا يتاح له أن يستجيب لها خلال فترات زمنية قصيرة لاعتبارات وظروف موضوعية، الا أن مؤشراته الأولية توحي بأن الأمور تسير بالاتجاه الصحيح الى حد كبير.

   ولا يعني ذلك ان الحراك الجماهيري يفترض ان ينتهي ويتوقف، بل من المهم جدًا أن يبقى محافظًا على زخم معين، وموجهًا بطريقة ايجابية مثمرة، توازن بين ضرورة تحقيق المطالب المشروعة، ومقتضيات الحفاظ على السلم والامن المجتمعي وعدم تعطيل مظاهر وفعاليات الحياة اليومية، في الدوائر والمؤسسات والشوارع والاسواق.

   هذا التوازن هو الذي يمكن أن يوصل الى الأهداف المرجوة بأقل قدر من الخسائر والاستحقاقات، لأنه يكفل التصحيح ويمنع التعطيل.

   أما خلاف ذلك، فإنه لاينسجم مع المطالب المشروعة للحراك السلمي، ولا يمكن أن يفضي الى النتائج المرجوة، ناهيك عن كونه يزيد من حدة الاحتقان، ويوسع فرص الصدام والتأزيم، وبالتالي يدفع بالامور الى الهاوية، ولا شك ان هذا ما لايريده ولا يسعى اليه الاعم الاغلب من الجماهير التي خرجت لساحات التظاهر، وكذلك تلك التي ايدت ودعمت وساندت بطرق ووسائل واساليب متنوعة، في الوقت الذي راحت القناعة بوجود ايادٍ خارجية مخربة، تترسخ يوما بعد آخر، ارتباطا بتكشف الكثير من الارقام والحقائق.

   واذا لم يكن ممكنًا الاحاطة واستعراض كل الأرقام والحقائق، فإنه من المفيد جدًا الاشارة الى نماذج وعينات منها حتى تتضح وتتجلى الصورة بكل الوانها ومعالمها وخطوطها وملامحها.

  ومن بين تلك العينات والنماذج، ما نقلته قناة "الجزيرة" القطرية نقلًا عن اذاعة "صوت العراق" عن اعتقال جهاز المخابرات الوطني العراقي شبكة تابعة للاستخبارات الاماراتية مؤلفة من أشخاص يحملون الجنسيات اللبنانية والعراقية، يقومون بتمويل جماعات مخربة تستهدف تشويه صورة التظاهرات السلمية، واستهداف المؤسسات والدوائر الحكومية والممتلكات الخاصة، وكشفت الاذاعة عن مصادر وصفتها بالموثوقة، أن الشبكة مرتبطة مباشرة بمستشار الأمن الوطني ومسؤول الاستخبارات الاماراتية الخارجية طحنون بن زايد، شقيق ولي عهد ابو ظبي.

    وهناك عينات ونماذج أخرى، تمثلت بتواصل عناصر اعلامية وسياسية وعشائرية عراقية مع السفارة الأميركية، والقنصليات التابعة لها في بعض المدن العراقية، من اجل التنسيق والتعاون فيما يتعلق بتقديم الدعم لتوجيه التظاهرات بالشكل الذي يخدم أجندات واشنطن وحلفائها وأتباعها في المنطقة.       

   ولا شك أن من يتابع بعض وسائل الاعلام الاميركية والعربية، مثل قناة "الحرة" الاميركية، وقناتي "العربية" و"العربية الحدث" السعودية، وقناة "سكاي نيوز" الاماراتية، فضلًا عن العديد من الصفحات والحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" و"تويتر" يستطيع أن يكتشف ويدرك ابعاد اللعبة الخطيرة والدور السيئ الذي تقوم به واشنطن وعواصم أخرى، لحرف التظاهرات السلمية عن مسارها الصحيح، ومن ثم اغرق العراق في دوامة الفوضى والاضطراب من خلال خلق الاجواء المناسبة للصراع والتصادم بين المتظاهرين والأجهزة الأمنية الحكومية من جهة اخرى، وذلك بعدما فشل مخطط ايجاد تنظيم "داعش" الارهابي، وقبله تنظيم "القاعدة".

   وهذا يعني أن هناك أعمالًا ومخططات توجه من مصادر متعددة، وتنفذ بأدوات ووسائل مختلفة، بعضها اعلامية وبعضها مخابراتية، وبعضها الآخر عسكرية، وكلها في نهاية المطاف تصب في بوتقة واحدة.

   وهناك عينات ونماذج كثيرة أخرى، ربما ستتكشف في أوقات لاحقة، بيد أن ما أشرنا اليه، يعد كافيًا، لتصور وادراك حقيقة بعض ما يجري من عمليات تخريب للمؤسسات والممتلكات العامة والخاصة، واثارة الفتن والفرقة بين ابناء المجتمع، والتحريض على الاجهزة الامنية والقوات العسكرية.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات