معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

قوت الناس رهينة تجار الدولار.. و
29/11/2019

قوت الناس رهينة تجار الدولار.. و"حكومة التصريف" نائمة

يوسف الريّس

لا تزال أزمة ميزان المدفوعات تتفاعل يوميًا مع حركة الشارع وإهمال السلطة. وقد كان المصرف المركزي الجمعة 28 تشرين الثاني أمام استحقاق محوري تمثل بدفعه 1.58 مليار دولار لسندات اليوروبوندز.

يتذرع الحاكم بحماية القطاع المصرفي والثقة بالسندات اللبنانية ليصرف في ذروة الأزمة 15% من قيمة احتياطي العملات الأجنبية التي قدّرتها وكالة موديز بـ10 مليارات دولار.

حمى المصرف المركزي حقوق الدائنين مبتعدًا عن أي توجه لإعادة هيكلة الدين متجاهلًا واقع المصارف المتأزم مع المودعين والمستوردين، فبات المستوردون المحتكرون يهددون بنقص المواد الغذائية والاستشفائية والأدوية والمحروقات. وفي ظل احتكار المصارف للدولار، يقفز سعر صرفه في الأسواق يوميا.

عمليا، نسبة التضخم ترتفع وبالتالي تنخفض القيمة الشرائية لليرة. فالتجار المحتكرون للمواد يحمّلون المصارف عدم إفراجها عن الدولارات وبصورة أساسية المصرف المركزي الذي يحاول تقليص تصدير الدولار إلى الخارج. فيلجأ المستوردون الى الصرف لدى الصرافين وتحميل الخسارة للمواطنين مبتعدين عن أي مشاركة للخسارة. علاوة على ذلك، يعمد التجار المحتكرون إلى بيع المخزون بحسب سعر صرف الدولار.
في الواقع المسؤولية باتت جماعية.

المصرف المركزي يعي أن الثقة بالقطاع باتت مهزوزة، وأن سعر الصرف المثبت لم يعد كذلك إذ إن قيمة العملة هي قدرتها الشرائية وليس قيمتها على شاشات المصارف. الهروب إلى الأمام لن يغيّر الواقع وحصر أولوية المصرف المركزي بالحفاظ على قيمة السندات مبتعدا حتى عن نهجه بحماية المودعين يزيد الأزمة سوءا. فالدولار الذي أودعته الناس في المصارف هو حقها، والمخاطرة به بحصر استثماره بالمصرف المركزي هو خطة فاشلة عمليا. واجب المصارف الالتزام بالـ"diversification" كمبدأ أساسي لتقليص المخاطر وهو الذي لم يحصل في ظل عدم قدرتها الآن على استحصال الدولار نظرا لإيداعها للدولار في المصرف المركزي.

أما على صعيد المصرف المركزي، فالإخفاقات تكاد لا تعدّ ولا تحصى وقد بلغت أوجها في التعاطي مع الأزمة. فلا يمكن أن يبقى المصرف المركزي يغض النظر عن الخوف الشعبي من الجوع والموت على أبواب المستشفيات، ويحمي قيمة سندات التخزين والتصنيف العالمي. فلا أحد يجهل ارتفاع الـ"Systemic risk" مخاطر النظام، التي عادة ما تعبّر عنها قيمة السندات.

أسلوب المصرف المركزي حاليًا لا يعبر سوى عن حالة نكران للواقع، فالليرة بعقول هؤلاء ثابتة والثقة بالمصارف حقيقية والسعر الحقيقي للسندات هو نفسه السعر الاسمي. هذا ما أوضحه حاكم مصرف لبنان حين دفعه مستحقات اليوروبوندز متجاهلًا أن السعر في الأسواق كان منخفضًا، كما تجاهل أولوية الغذاء والدواء.

ابتعدت حكومة تصريف الأعمال عن الواجهة في عزّ الأزمة هاربة من المسؤولية، وهذا لا يجعل الناس تنسى أن من أسس للأزمة هو من هرب الآن. لا يمكن أن ينسى الناس أن قوت يومهم الآن هو رهينة الدولار الذي يدفعه حاكم مصرف لبنان كأعباء استدانة. لا يمكن أن ينسى الناس أن من أغرق لبنان بالدولار المستدان، لم يعمّر ولم يهيئ للنهوض بالاقتصاد.

مصرف لبنان

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات