معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

احياء
12/12/2019

احياء "داعش" والخطر المحدق بأوروبا

محمد محمود مرتضى
كانت الشمس على وشك المغيب، عندما هاجم شاب بسكين كانت بحوزته، بعض المارة على جسر لندن الشهير يوم الجمعة في التاسع والعشرين من الشهر الماضي (تشرين الثاني/نوفمبر). السلطات الامنية البريطانية صنفت العمل على أنه ارهابي، وان المهاجم هو "عثمان خان"، سجين سابق أدين في قضايا إرهابية، اما حصيلة الهجوم فكانت مقتل شخصين قبل أن تتمكن الشرطة من قتل المهاجم.

ولم تكد تنتهي العملية حتى أعلن تنظيم "داعش"، عبر وكالة أعماق (الذراع الإعلامية للتنظيم)، عن مسؤوليته عن الهجوم، معلناً أن "خان" هو أحد "جنود الخلافة"، وأن الهجوم نُفذ تلبية لدعوة استهداف رعايا التحالف الدولي.

لقد أعاد هجوم جسر لندن التذكير بسلسلة من الهجمات التي كان قد شنها التنظيم في مراحل سابقة من نشاطه، قبل أن تتراجع هذه العمليات منذ سنتين. كما أن العودة هذه لا يمكن فصلها عن تشكيل قيادة جديدة للتنظيم في اعقاب مقتل زعيمه ابو بكر البغدادي.

وثمة توقيت آخر لا يمكن اغفاله يرتبط بهجوم جسر لندن، وهو تزامنه مع استعادة لندن لعدد من الأطفال الذين كانوا في مخيمات الاعتقال في سوريا بعد سنوات قضوها في التنقل بين معاقل "داعش" وهذه المخيمات؛ حيث يعتقد أن هذا الهجوم سوف يؤثر على قرار أوروبا استقبال عائلات "داعش" المتحدرين من اوروبا.

فمن المعلوم أن أوروبا تنظر بقلق تجاه مئات الاوروبيين المنتمين لـ"داعش" مع عائلاتهم، لا سيما اولئك الذين تشرف عليهم قوات قسد ( قوات سوريا الدمقراطية) في شرق سوريا. وقد ظهر هذا القلق من خلال تصريحات "يورغن ستوك"، الأمين العام لوكالة الشرطة الأوروبية "يوروبول"، والذي كشف عن أن اوروبا قد تواجه، ما سماه، موجة ثانية من "داعش".

تحذيرات "ستوك" جاءت في اطار تحذيره من المخاطر المحدقة جراء عودة البعض من مناطق النزاعات، لا سيما وأن المؤشرات، حسب بعض مراكز الابحاث الغربية، تشير الى أنّ العائدين الى اوروبا لن يطول احتجازهم بعد عودتهم، وأنهم سرعان ما سيطلق سراحهم ليبدؤوا بموجة جديدة من الارهاب ستضرب أوروبا. وان كان ثمة رأي يقول إن الترويج لاحتمال قيام العائدين بعمليات ارهابية قد يكون بمثابة التبرير اما لعدم قبول استعادتهم، او تمهيدًا لتشريعات تمنع اطلاق سراحهم بسرعة.

ومهما يكن من أمر، فانه ووفقًا لتقديرات أعدتها مؤسسات بحثية أوروبية وأمريكية، (من بينها صوفان غروب)، فإن عدد المقاتلين الأوروبيين الموجودين في سوريا والعراق يتجاوز بضعة مئات مقسمين على جنسيات متعددة.

وفيما أعلنت دول مثل الدنمارك رفضها التام لاستعادة مقاتليها من مناطق النزاع، أعربت دول أخرى من بينها ألمانيا عن استعدادها لاستقبالهم.

ورغم العدد الكبير للمقاتلين الألمان الموجودون في صفوف "داعش" أو في السجون، فإن السلطات الألمانية لا ترفض عودتهم إلى البلاد، حيث تعتبر أنهم من حملة جنسيتها، حسب بيان سابق لوزارة الداخلية الألمانية.

وكانت مجموعة "صوفان جروب"، المهتمة بشؤون الاستخبارات والأمن قد ذكرت في تقرير سابق، أن عدد المقاتلين المنتمين لــ"داعش" من ألمانيا يصل إلى حدود خمسماية وسبعين مقاتلًا.

وعلى أي حال، فقد كان "داعش" يلجأ الى استراتيجية الضرب في قلب أوروبا، في اطار التخفيف من الضغط على معاقل خلافته المكانية من جهة، وفي اطار استراتيجية الاستنهاض والاستقطاب من جهة ثانية. وفي الوقت الذي خسر فيه الجغرافيا، وتدنت فيه عمليات الاستقطاب، يبدو "داعش" في عملياته هذه اقرب الى محاولة اثبات الوجود، وأنه لا يزال قادرا على تنشيط خلاياه، في وقت تسعى واشنطن جاهدة لإعادة احيائه في العراق وسوريا. فهل ستدفع اوروبا ثمن احياء واشنطن لـ"داعش"؟

لندنباريس

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة

خبر عاجل