آراء وتحليلات
واشنطن تستعجل الحسم في لبنان لفرض "السلام الإسرائيلي"
محمد أ. الحسيني
تستمر عجلة التعقيدات السياسية في لبنان في انحدارها قدمًا باتجاه النفق المظلم، فيما تتفاعل عملية تأزيم الأوضاع الاقتصادية أكثر فأكثر، مع إمعان المؤسسات الدولية في تعميق هذه الأزمة بتصنيفات مالية جديدة، وإصدار تقارير تهويلية تنذر بمستقبل أسود ينتظر لبنان في حال مراوحة الوضع على ما هو عليه. وفي موازاة ذلك يواصل رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري استنكافه عن القيام بواجباته الحكومية وتعطيل عمل الوزارات، والتمسّك بشرطه الأساسي لقبوله بالتكليف بتشكيل حكومة تكنوقراط، وعرقلة التوافق على اسم أي بديل آخر عنه للبدء بمسيرة إخراج البلاد من عنق الزجاجة.
واشنطن وسياسة العصا والجزرة
وفي ظل استمرار حال المراوحة السلبية تتحضّر بيروت لاستقبال مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشؤون السياسية دايفيد هيل الأسبوع المقبل. واستبقت واشنطن هذه الزيارة باتخاذ قرار بفرض عقوبات على من أسمتهم مقرّبين من حزب الله بتهمة تمويل الحزب، في لعبة قديمة ومكشوفة اعتادت واشنطن ممارستها عبر شهر "العصا" قبل أي زيارة لأحد مسؤوليها إلى بيروت وفي جعبته رزمة شروط ومطالب لفرض تنفيذها، وأرفقتها هذه المرّة بـ "جزرة" الإفراج عن مساعدات مالية بقيمة 110 ملايين دولار بمبادرة من وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو.
وسرعان ما ظهّر مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون ما يسمّى الشرق الأدنى دايفيد شينكر خلفيات وأهداف هذا القرار بالقول: "إن أشخاصاً من كافة المذاهب والأديان متورّطون بتمويل حزب الله، وكل من يتورّط في هذا التمويل سيتعرّض للعقوبات"، معتبراً أن "حزب الله تسبّب بمشاكل اقتصادية للبنان". ولم توارب المندوبة الأمريكية في مجلس الأمن الدولي كيلي كرافت، ومن على منبر الأمم المتحدة، في الإفصاح عن تدخّل إدارتها في هندسة ما يحصل على الأرض، فهدّدت بأن الاضطرابات في كل من العراق ولبنان سوف تستمر في إطار تشديد الضغوط على إيران وإضعاف دورها في المنطقة.
مجموعة الدعم الدولية
بدورها دخلت "مجموعة الدعم الدولية" التي اجتمعت في باريس الأربعاء الفائت، على خط الضغط المتمادي المنسجم مع السياسة الأمريكية، واشترطت لمساعدة لبنان اقتصادياً تشكيل حكومة قادرة على "تنفيذ حزمة من الإصلاحات الاقتصادية، والتي تلتزم بنأي البلاد عن التوترات والأزمات الإقليمية". وقال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان الذي تلا البيان الختامي للاجتماع الدولي إن "المعيار الوحيد يجب أن يكون فاعلية هذه الحكومة على صعيد الإصلاحات التي ينتظرها الشعب". وحدّدت المجموعة الخطوات التي يجب على الحكومة العتيدة اتباعها وفي مقدمتها "اعتماد ميزانية موثوقة لعام 2020 في الأسابيع الأولى بعد تشكيل الحكومة الجديدة.. واتخاذ إجراءات حاسمة لاستعادة استقرار القطاع المالي، ومعالجة الفساد وتنفيذ خطة إصلاحية للكهرباء، وتحسين الحوكمة وبيئة الأعمال..". ولم تغفل المجموعة ربط كل ذلك بالمؤسسات المالية الدولية في تكريس واضح لسلطة صندوق النقد الدولي، ما يعني اعتبار لبنان في خانة الدول المفلسة بما يستتبع وضعه تحت الوصاية الإدارية الدولية.
إيران في بيروت وبغداد
لم يعد هناك أي شيء خفي في المخطّط الأمريكي الهادف إلى إسقاط لبنان، فمنذ أن أدلى جيفري فيلتمان بشهادته أمام الكونغرس حول لبنان تمظهرت الضغوط والتدخّلات بشكل مباشر وصريح في الشأن اللبناني، وبات الإفلاس القهري الاقتصادي والمالي والمعيشي هو السلاح الأساسي الذي ترى واشنطن أنه يؤدي إلى ترجمة فصول هذه المخطّط، وهو لا ينحصر فقط في لبنان بل يشهد نموذجاً مشابهاً له بما يجري في العراق؛ وهما ساحتان، وفق الاعتبار الأمريكي، تملك فيهما إيران نفوذاً يقف حجر عثرة في وجه تحقيق أطماعها في السيطرة على منابع النفط من جهة وتوفير المجال الاستراتيجي الذي يحفظ أمن "إسرائيل" من جهة أخرى. ولا نستطيع أن ننكر نجاح الأمريكي في ركوب موجة الحراك والمطالبات بمكافحة الفساد والفاسدين وتجييرها كواجهة للمطالبة بتغيير نظام الحكم في كلا البلدين، وهما نظامان تعتبرهما واشنطن خارج الوصاية الأمريكية، وتراهن على هذا النجاح في استكمال الخطوات اللاحقة.
لبنان والسلام الإسرائيلي
وفي هذا السياق تنبّه أوساط مراقبة من استمرار التوتير الأمني للشارع اللبناني وسط الفراغ الذي لا يزال يعاني منه البلد من خلال قطع الطرقات والاشتباكات المتنقّلة التي تهدف إلى توريط الأجهزة الأمنية الرسمية، محذّرة من تدهور هذه الحال باتجاه انفلات الوضع بنسبة أكبر، وإدخال لبنان في حال تماثل شكل الحرب المقنّعة، بحيث لا يستقرّ الوضع الداخلي. وتعتبر الأوساط أن كل ما يجري من مماحكات داخلية في لبنان لا ينفصل عن مسار تقطيع الوقت، وإبقاء لبنان في حال من انعدام التوازن وخلط الأوراق في دوّامة مستمرة بما يكفل عملية إلهاء شاملة للأوساط السياسية والأمنية والاقتصادية، ريثما تستتبّ المعادلة السياسية في الداخل الإسرائيلي.
وفي موازاة ذلك، تضيف الأوساط، تجد "إسرائيل" بدعم أمريكي – غربي، الفرصة سانحة لاستكمال عملية تشريع وجودها في الدول العربية ولا سيما دول الخليج، والتي تلعب فيها الإمارات دوراً محورياً وبشكل علني، وتلفت إلى أن استضافة رجل الدين اللبناني علي الأمين في مؤتمر المنامة وتصويره جنباً إلى جنب مع الحاخام الصهيوني، فضلاً عن تنظيم لقاءات تأخذ شكل التطبيع مع العدو الصهيوني في وسط بيروت تحت مظلة الحراك الشعبي، لا تنفكّ عن السعي الأمريكي – الإسرائيلي المدعوم والمغطّى خليجياً باتجاه تهيئة الأرضية المناسبة في لبنان للقبول بالأمر الواقع الإسرائيلي، فإما أن يصبح لبنان مسيّراً من قبل الإدارة الدولية ويذعن لهذا الواقع في ظل سقوط شامل اقتصادي ومالي وسياسي، أو يذعن له في ظل انتعاش اقتصادي ووفرة مالية موجودة في صناديق الدول المانحة، وتديره حكومة تستجيب للشروط الدولية، ونظام سياسي غير معادٍ لإسرائيل ومجلس نيابي ذي أغلبية تصادق على اتفاق سلام ويشرّع الانضمام إلى الحظيرة الأمريكية.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024