معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

قراءة أكثر عمقًا لجريمة الوثبة.. العراق يرفض الارهاب
18/12/2019

قراءة أكثر عمقًا لجريمة الوثبة.. العراق يرفض الارهاب

بغداد: عادل الجبوري

 

  أشّرت جريمة الوثبة البشعة، التي تمثلت بقتل أحد الشبان اليافعين بطريقة وحشية، الى حقيقة مهمة، الا وهي أن العنف والاجرام يمثل "لا ثقافة" مرفوضة ومدانة ومستهجنة لدى عموم أبناء الشعب العراقي، وأن من يقومون بارتكاب الأفعال الاجرامية الشنيعة هم قلة قليلة، شاذة في سلوكياتها وتصرفاتها وممارساتها، وتعمل وفق اجندات ومخططات تخريبية وتدميرية، تهدف الى تشويه صورة الحركة الاحتجاجية الاصلاحية، وحرفها عن مسارها السلمي.

   ولعل تلك الجريمة البشعة تستدعي البحث الجاد للتوصل الى تفسيرات وتوضيحات عملية وواقعية، والتقصي فيما اذا كان لفعل القتل والتعذيب والتمثيل وحز الرؤوس، جذور في الواقع الاجتماعي العراقي المعروف بالتزامه بالقيم والتقاليد والاعراف الدينية والاجتماعية السليمة، ومن يتحمل المسؤولية حيال ما حصل في الوثبة، وحيال ممارسات أخرى مماثلة لها، وما هي الخطوات والاجراءات التي ينبغي اتخاذها لمحاربة مثل تلك السلوكيات والممارسات المنحرفة والشاذة، واجتثاثها من الجذور.

  ابتداء، لا بد من التأكيد على أن جريمة الوثبة بكل دمويتها ووحشيتها، مثلت ذروة النزعات الاجرامية للمجاميع المخربة والمنفلتة، التي قتلت وأحرقت وخربت ودمرت الكثير من الممتلكات العامة والخاصة منذ اندلاع الحركة الاحتجاجية الاصلاحية، مطلع شهر تشرين الاول-اكتوبر الماضي، متخذة من "الجوكر" عنوانًا ورمزًا لها.

   وفي واقع الأمر، تمثل سلوكيات العنف والاجرام، ثقافة مرفوضة ومدانة ومستهجنة لدى عموم أبناء الشعب العراقي. بعبارة أخرى يمكن القول انه لا يختلف اثنان على أن القتل والذبح والتمثيل بالجثث وغيرها من مظاهر وظواهر العنف، تمثل سلوكيات شاذة ومنحرفة لا تمت بصلة الى القيم والعادات والاعراف والتقاليد الدينية والاخلاقية والاجتماعية السائدة في المجتمع العراقي.

   ولا يختلف اثنان ايضا على ان شيوع مثل تلك النزعات والسلوكيات الاجرامية في بعض الأحيان، انما يعكس في جانب منه قصورًا في الثقافة، وضعفًا في الالتزام بالضوابط الدينية والاجتماعية، وفي جانب آخر منه، يعد جزءًا من اجندات ومشاريع ومخططات خارجية، تقوم على مبدأ التخريب والتدمير بكل اشكاله وصوره، اذ ان تخريب وتدمير العقول وتشويه الثقافة لا يقل أثرًا وتأثيرًا عن تخريب وتدمير المباني والشوارع والمدارس والجسور.

   في ذات الوقت، فإن التاريخ البعيد والقريب يسجل لنا قدرًا لا يستهان به من مظاهر العنف والتصفيات الدموية في العراق، ولكن الملاحظ هنا، هو أن مجمل تلك المظاهر كانت تنطوي على طابع سياسي، يتمحور في الصراع والتنافس على السلطة والنفوذ، ناهيك عن تأثير وحضور القوى الخارجية، ودفعها باتجاه تكريس منهج العنف والاجرام. وقد شهدنا خلال الحقبة الملكية الممتدة من عام 1921 وحتى عام 1958، الكثير من مشاهد العنف الدموي بين المتصارعين على السلطة، والمتسلحين بدعم القوى الدولية المتصارعة فيما بينها مثل بريطانيا والمانيا واميركا وروسيا، ونفس المظاهر تكررت مرات عديدة، في حقبة الحكم الجمهوري(1958-2003). فالى جانب الانقلابات والمؤامرات الدموية المتعاقبة، وجدنا ظهور الجماعات والميليشيات المسلحة، بهويات شيوعية وقومية وبعثية مختلفة، وبحسب ظروف كل مرحلة، وطبيعة الاطراف التي تمسك بزمام الامور. ولعل مشاهد ومظاهر العنف الدموي الاجرامي بلغت ذروتها في عهد حزب البعث المنحل، لا سيما بعد تولي صدام حسين مقاليد السلطة في عام 1979. وبعد سقوط ذلك النظام ربيع عام 2003، وخضوع العراق للاحتلال الاميركي، ساهم الاخير في نشوء وتمكين تنظيمات ارهابية ذات طابع عالمي، مثل تنظيم "القاعدة" وبعده تنظيم "داعش" الارهابيين، ناهيك عن الكثير من العناوين الاخرى المنضوية تحت هذين التنظيمين.

   ولا ش، أن المنهج الدموي الاجرامي للارهاب التكفيري، عكس حقيقتين، الأولى أنه أريد منه اغراق العراق في دوامة الاقتتال الداخلي على أسس طائفية ومذهبية، ليسهل بالتالي تحويله الى دولة ضعيفة ومجتمع مفكك، ليسهل تمزيقه وتفكيكه الى دويلات، وهذا ما روجت له كثيرا مراكز القرار السياسي والمؤسسات البحثية في الغرب، وخصوصا في الولايات المتحدة الاميركية، وهو ما يقود الى الحقيقة الثانية المتمثلة بقيام واشنطن بتوفير الغطاء اللازم للتنظيمات الارهابية لكي تتمدد وتتسع وتهيمن الى الحد الذي باتت في مرحلة من المراحل تمتلك مواطئ قدم كبيرة وواسعة في مدن عراقية مختلفة.

   ورغم كل الامكانيات التي تم توظيفها لتكريس وترسيخ نزعة وثقافة العنف والاجرام الدموي، من قبل شتى العناوين والتوجهات السياسية والايديولوجية، ومن قبل الاطراف والقوى الخارجية، الا ان كل ذلك لم يحقق النتائج والاهداف التي كان يخطط للوصول اليها، لسبب واضح ومحدد، يتمثل في ان المجتمع العراقي رغم نسيجه الثقافي والديني والقومي والمذهبي المتنوع ظل محافظا على قيمه وسلوكياته الصحيحة، ولم يتقبل الانسياق والانزلاق الى الثقافات والسلوكيات الاجرامية الهابطة، ولا شك ان للمرجعيات الدينية والمنظومات العشائرية دورًا كبيرًا ومحوريًّا في ذلك، وما يؤكد هذا الامر طبيعة ومستوى ردود الافعال الرافضة والمستهجنة لكل الممارسات الاجرامية من قبيل القتل والحرق والتخريب والتدمير، وخصوصا حيال جريمة الوثبة، ما يتطلب المزيد من الوقفات الجادة والشجاعة والحازمة من قبل كل الخيرين والشرفاء من اجل المحافظة على امن وسلامة واستقرار البلد، وافشال اجندات ومشاريع الفتنة والفوضى والعنف.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

خبر عاجل