معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

20/12/2019

"داعش" يتحضر للاحتفال بعيد الميلاد؟

محمد محمود مرتضى

تمثل الأعياد بالنسبة للتنظيم الإرهابي "داعش" فرصة مؤاتية من أجل شن هجمات على المحتشدين، حيث بإمكان هذه العمليات، ولو كانت عبر ذئاب منفردة، أن توقع خسائر بشرية كبيرة، على غرار ما حصل في الأعوام السابقة حيث تبنى التنظيم هجومين، أحدهما في العاصمة الألمانية برلين، والآخر في إسطنبول التركية.

ومؤخرًا، ذكرت وسائل اعلامية أميركية أن تنظيم "داعش" هدد بشنِّ هجمات على مدينة نيويورك، خلال احتفالات رأس السنة الجديدة.
وكان أحد عناصر التنظيم قد ظهر مقنعاً في منشورات على الإنترنت في منتصف الشهر الماضي وهو يحمل سكينًا ملطخًا بالدماء، فيما تظهر في خلفيته مجموعة من الصور تتعلق بهجوم عيد الميلاد في برلين من العام 2016، وهو يقول: إن عيد رأس السنة هو "تاريخ الانتقام". لتظهر بعدها بوقت قصير صورة لساحة مدينة مهدمة بالنيران مكتوب عليها: "قريبًا.. إن شاء الله.. سيشهد الكفار الشيء ذاته الذي يخشونه 1-1-2019".

وعلى أي حال، لقد شكلت الهزائم التي تكبدها "داعش" منذ العام 2016 عاملًا حاسمًا وكبيرًا، ليس في تراجع عمليات الاستقطاب وحسب، بل في عودة فاعلة نسبيًا لتنظيم "القاعدة" المنافس. وإن كانت هزيمة "الخلافة" انتكاسة كبيرة لمجمل المشروع "الجهادي" للتكفيريين وليس فقط لـ"داعش". والهواجس التي كان يبديها تنظيم "القاعدة" تجاه اعلان الخلاقة، كانت لأسباب استقطابية، وترتبط في نفس الوقت بوجهة نظر قاعدية كانت تعتبر أن التسرع في اعلان الخلافة دون تمكين قد يؤدي الى حالة احباط كبيرة في صفوف هذه الجماعات اذا ما سقطت "الخلافة" بالضربة القاضية.

ومهما يكن من أمر، فإن ظهور ملامح الانتكاسات "الداعشية" دفعت بالتنظيم الى البحث عن بدائل "تعويضية" ظهرت ملامحها في تنشيط "إدارة العمليات الخارجية" والتي عملت على تأسيس شبكات في أوروبا تمهيدًا لمواصلة العمليات في مرحلة ما بعد الخلافة.

هذه "التهديدات" الخارجية لم تكن مستترة وغير متوقعة، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال عدة دراسات أميركية وأوروبية تحدثت عن خلايا تحت اشراف شبكة استخبارية "داعشية" خاصة بأوروبا تسمى ـ "أمني" تابعة لإدارة العمليات الخارجية ومسؤولة عن إدارة الخلايا النائمة في أوروبا.

على أن الملفت للنظر، هو محاولة "داعش" تطوير عملياته الخارجية عبر عدم حصرها باستهداف الأشخاص فقط، بل طور "داعش" لائحة بنك أهدافه لتشمل أيضًا أهدافاً طبيعية ذات طابع اقتصادي كإشعال حرائق في الغابات والمحاصيل الزراعية، وتفجير محطات الوقود، في اطار استنزاف اقتصادي.

الا أن الأخطر في كل هذه التكتيكات الجديدة هو الدعوة لاستخدام المناطيد الطائرة كأسلحة. وتتبدى خطورة هذه الدعوة، في كون معظم المنشورات والتوجيهات التي تُنشر ليست مضمونة المصدر لناحية التحقق من أنها صادرة عن التنظيم الإرهابي فعلًا، لا سيما مع حجم الاختراق الحاصل لصفوفه، مضافًا اليها سهولة بناء منصة اعلامية تدعي النطق باسمه. ومع وجود احتمال كهذا فإن الدعوة لاستعمال المناطيد، مع مشابهته الى حد ما للأسلوب المستعمل في فلسطين المحتلة (الطائرات الورقية) ضد الاحتلال الاسرائيلي، يطرح علامات استفهام، وشكوكًا مبررة عن امكانية أن تكون الاستخبارات الاسرائيلية تقف خلف هذه المنشورات من أجل تشبيه "داعش" بالمقاومة الفلسطينية. وقد شاهدنا المحاولات الاسرائيلية لإجراء مثل هذه المقارنات عند حصول أول حادثة دهس حصلت في اوروبا.  

وعلى أي حال، ومع اقتراب أعياد الميلاد، تسود أوروبا حالة من الاستنفار المعلن وغير المعلن، في عواصم عدة.
ففي اسبانيا نقلت بعض الصحف تحذيرات عن "تهديدات حقيقية" من "مصادر موثوقة" حول هجوم محتمل ضد المصالح الإسبانية.
أما في فرنسا، فإن شبح العمليات السابقة لا يزال ماثلاً في مخيلة الشعب الفرنسي لا سيما هجمات الثالث عشر من تشرين الثاني نوفمبر من العام 2015، حيث عاشت باريس يومًا داميًا، شن "داعش" فيه عدة هجمات متزامنة في ستة أماكن حيوية، أبرزها ملعب "دو فرانس" لكرة القدم، ومسرح "الباتاكلان"، ما أسفر عن مقتل مئة وثلاثين شخصا.

دون أن ننسى هجوم "شريف شيخات" في الثاني عشر من كانون الاول  ديسمبر عام 2018، والذي قام بإطلاق النار في وسط مدينة ستراسبورغ، وكذلك هجمات شارلي ايبدو.

تأتي أعياد الميلاد هذه السنة، والمخاوف من هجمات محتملة، في وقت تشكل فيه قضية المتطرفين العائدين من سوريا نقطة نقاش حاد. وسواء شارك العائدون من سوريا في عمليات محتملة في اوروبا، او لم يشاركوا، فإن الأمر المقطوع به، والمتسالم عليه، أنه في حال نجح "داعش" في تنفيذ بعض العمليات، فإنها لا شك ستكون أكثر دموية ووحشية من سابقاتها، ليس فقط بسبب اكتسابهم مزيداً من الخبرات، بل لأنها بالنسبة اليهم حالة انتقام من تدمير خلافتهم المزعومة، ومقتل زعيمهم، اضافة الى أن الزعيم الجديد للتنظيم سيعتبرها مناسبة لإثبات جدارته في التصدي لهذه المسؤولية.
وما بين الدوافع الداخلية للتنظيم الارهابي، وربما دوافع خارجية ترتبط بتوظيف هذه الهجمات، فإن "داعش" على موعد، فيما يبدو، للاحتفال بـ"الكريسمس" على طريقته الخاصة.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات