معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

مقارنة بين الإنفاق العسكري السعودي والإيراني
20/12/2019

مقارنة بين الإنفاق العسكري السعودي والإيراني

أحمد فؤاد

تخوض الأمة العربية معارك متعددة، على جبهات نازفة، يفتك فيها السلاح الغربي أو وكيله العربي قتلًا. وحده محور المقاومة، أثبت فعلًا قبل القول، أن إرادة التحرر والخروج من ذل التبعية هي الضمان الأول للنصر، وأن "تكديس" السلاح الخليجي والعربي "المعتدل" لا ينعكس الا اختزالًا لحقوق الغالبية الكاسحة للشعوب المقهورة.

في غزة المحاصرة واليمن المنكوب، وقبلها في لبنان والعراق وسوريا، لم تجدِ المؤامرات والخطط نفعًا أمام شعوب آمنت بحقها وقدرتها، وسارت خلف راية حق، لم يضرها من خذلها، ومن خرج يدين على الشاشات، بينما كانت أغلى الزهرات العربيات تبذل الأرواح في ساحات المجد والشرف.

كما تنفق دول الخليج ثروات هائلة على تسلح يوجه ضد الأمة، تبدو إلى الشرق تجربة رائدة، في مجال التصنيع العسكري، إيران، الجمهورية الإسلامية، التي تخوض المعركة ذاتها مع محور المقاومة العربي، والتي تحمل أعباء القضية العربية المركزية "فلسطين"، وتعتبرها قضية وجود، لا قضية حدود.

وقبل أن ننزلق إلى مقارنة مذهلة ومزعجة، في آن، بين إستراتيجيات التسلح في إيران والخليج، لا بد من أن نقف عند رقم واحد، يخص السعودية، ويوضح أولويات هذا البلد، كممثل لمحور الاعتدال العربي، المصطف كلية خلف الكيان الصهيوني وسيده الأميركي.

البنك الدولي، وهو في هذا الملف مؤسسة محايدة، قدر خسائر الثورات العربية، التي عرفت بالربيع العربي، بنحو 800 مليار دولار، كتكاليف لإعادة البناء والإعمار والتشغيل.. أي أن الدول العربية التي اشتعل بها الربيع العبري هذا، كلها ومجتمعة، تحتاج لهذا المبلغ الضخم لإعادة الأوضاع إلى سابق عهدها، فقط إلى سابق عهدها، لا تحديث أو تطوير ولا من يحزنون، الحال في سوريا كما العراق واليمن وتونس ومصر، كلنا في الهم شرق.

هذا الرقم الذي يبدو ضربًا من المستحيلات لدول عربية ضربها الفقر وشدة الحاجة قبل الثورات، وربما كان واحدًا من أسبابها التي استغلها كل من أراد العمل، لن تجد ولن تستطيع توفير هذا الرقم ولا ربعه.

في زيارة مشؤومة للرئيس الأميركي دونالد ترامب الى السعودية بصحبة إيفانكا، استطاع الحصول من "المملكة" على 450 مليار دولار، كصفقات واتفاقات تجارية وعسكرية، ولنا أن نتخيل لو تم ضخ هذه الأموال في مشاريع حقيقية في الدول العربية، ماذا كانت لتحقق الشعوب، والأهم: هل كانت السعودية ستتحول إلى دولة يزداد محيطها كرهًا لها ونقمة على قياداتها المجرمة؟

في إيران، التي وقعت أسيرة للحصار الغربي الخانق، عشية قيام الثورة الإسلامية، منذ نحو 40 عامًا، جرت مياه كثيرة في النهر، وتغير الطريق من دولة تمارس دور شرطي الولايات المتحدة، إلى سند حقيقي وأول للشعب الفلسطيني، خاصة وأن تاريخ (1979) تزامن مع خروج مصر نهائيًا من الصراع العربي الصهيوني، وترك سوريا وحيدة في المواجهة أمام الكيان.

ورغم أعباء خدمة القضايا الممتدة على جانبي حدودها، من أفغانستان إلى العراق، فقد ركزت طهران على عاملين فقط ضمن إستراتيجية ذكية ومحددة، ذكية لكي ترى عدوها الأساس دائمًا "واشنطن"، ومحددة لكي تتعامل مع المتغيرات بمرونة وقوة كافيتين، فحققت إنجازات هائلة، مكنتها من تحقيق الأهداف المهمة من ورائها، وهي أهداف الردع للعدو، والحضور في الإقليم.

استطاعت طهران، وعبر عقود من التطوير والمثابرة، كتابة أسطورة جديدة، عنوانها الاكتفاء الذاتي من السلاح، فصنعت سلاح الزوارق البحرية فائقة التطور، والصواريخ بمديات غير مسبوقة (شهاب 5 و6 آخر قائمة تطول)، والدبابات والناقلات المدرعة، وأنظمة الرادار والصواريخ الموجّهة، والغواصات والسفن الحربية والطائرات المقاتلة دون طيار.

والنتائج وحدها أوفى شاهد على مخرجات التصنيع العسكري الإيراني، إذ شاهدنا، وشاهد العالم عبر الشاشات، تمريغ الأنف الأميركية في التراب، عبر إسقاط أحدث طائرة أميركية دون طيار (شبحية) بمنظومة محلية هي "خرداد 3"، وهذا الشاهد لا يحتاج لكثير قول، عن نجاح مشروع التسليح الإيراني، بل وتفوقه.

 وإلى حديث الأرقام، والشجون العربية من الهدر المستمر المتواصل، فإن متوسط ما ينفق سنويًا على صفقات التسلح في إيران لا يزيد بأي حال عن 6 ونصف مليار دولار - كمتوسط - لكن الاعتماد الأساس في الفكر الإيراني يقوم على المخرجات المحلية للتصنيع العسكري المتطور لديها، بالإضافة لشفافية تميز دولة لديها مؤسسات حكم تصوب وتعدل، وهو ما لا يتوافر في الحالة العربية خصوصًا.

الإنفاق الإيراني يعد رقمًا صفريًا إذا ما قارناه بمثيله في أي دولة بالإقليم، السعودية تنفق ما يزيد عن 50 مليار دولار سنويًا، وتجاوزت هذا الرقم بالفعل في 2018، الكيان الصهيوني ومصر يتلقيان دعمًا أميركيًا متفاوتًا، ضمن اتفاقية كامب دافيد، ورغم ذلك ينفقان مبالغ هائلة على صفقات التسلح، بالإضافة لرصد مليارات الدولارات من الكيان لتطوير منظومة القبة الحديدية، التي فشلت بشكل مخزِ في وقف قصف الفصائل الفلسطينية على تل أبيب، كما حدث منذ أسابيع قليلة فقط.

تمكنت ايران من فهم وتطبيق مقولة أستاذ الإستراتيجية الألماني الأبرز في العصر الحديث، كارل فون كلاوزفيتز، وملخصها: "إن ضمان الحفاظ على السلام هو الاستعداد دائماً للحرب"، وقد استعدت طهران جيدًا لحربها، ودرست عدوها، وبالتالي لم يعد أمامه سوى الطرق القذرة للعمل، عوضًا عن اللجوء للمواجهات العسكرية المباشرة، والتي يدرك جيدًا أنه سيخسر فيها كثيرًا.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

خبر عاجل