آراء وتحليلات
اغتيال الجنرال سليماني.. واشنطن تستعجل الضربة القاضية
ايهاب زكي
في ظل أشرس مستشار للأمن القومي جون بولتون لم تقدم الإدارة الأمريكية على أيّ خطوةٍ نافرة، وتجنبت تخطي الخطوط الحمراء، بل على العكس من ذلك، فقد كانت تتلقى الضربات وتكتفي بإعلان المزيد من العقوبات. كما أنّ إقالة بولتون بدت وكأنها تجنب للصدام المباشر مع إيران ومحور المواجهة، وابتلع ترامب وتابعوه صفعاتٍ مؤلمة منذ إسقاط الطائرة الأمريكية الأحدث والأغلى، واحتجاز الناقلة البريطانية وقصف أرامكو التي اتهمت الولايات المتحدة إيران بشكلٍ واضح بها، مع الأخذ بعين الاعتبار أن البرنامج الانتخابي لدونالد ترامب كان الخروج من الحروب. والطريف أنّه ظل يحذر في عامي 2012 و2013 الشعب الأمريكي من نية أوباما الذهاب إلى حرب مع إيران للفوز بولاية ثانية، وخاطبهم قائلاً "لا تسمحوا له - أوباما - بحرب إيران للفوز بولايةٍ ثانية". لذلك فالسؤال الأهم حالياً، هو ما الذي دفع الولايات المتحدة في هذا الظرف للإقدام على هذه الجريمة متجاوزةً كل الخطوط الحمراء؟ والإجابة على هذا السؤال إن تيسرت، فهي الحقيقة التي سيكون عليها واقع المنطقة خلال قرنٍ قادم دون مبالغة.
كانت الولايات المتحدة تعتقد أنّ قسوة العقوبات الاقتصادية والمالية على إيران، ستجعل المواقف الإيرانية أكثر ليونة، وأنّ إيران ستصبح أكثر هشاشةً دون حاجةٍ أمريكية لتقديم تضحيات أو خسائر في أي مواجهةٍ عسكرية محتملة، ثم قامت بتحريك بعض الشارع الإيراني والعراقي واللبناني وركبت البعض الآخر، وهي حربٌ ناعمة وأيضاً دون خسائر أمريكية في العتاد أو الأرواح، مضافاً إلى ذلك فشل ما أطلقت عليه "إسرائيل" استراتيجية المعركة بين الحروب، ولكن سياسة محور المواجهة في مجابهة هذه الحرب الناعمة كانت شديدة الدقة والحنكة، مما أفرغ العدوان الأمريكي من محتواه كما صفَّر نتائجه، وحتى تصبح الحرب -مهما كان شكلها ومهما كانت طبيعتها ومهما كانت مؤلمة- ذات فعالية، يجب أن تُتوج بمفاعيل سياسية. وبما أنّ العقوبات الاقتصادية والحرب الناعمة وسياسة الشيطنة والمعركة بين الحروب لم تؤتِ أٌكلها، فقد اعتقدت الولايات المتحدة أنّ حرب تسجيل النقاط هذه ستنتهي بإخراجها من المنطقة بأقل الخسائر للمنطقة ولمحور المواجهة، ويبدو أنّها قررت الضرب تحت الحزام وتغيير شكل الحلبة وقواعد المواجهة.
يقول ترامب إن "إيران لم تربح في أيّ حرب ولكنها لم تخسر في أيّ مفاوضات"، وهذا استخدامٌ أحمق لسياسة العصا والجزرة، حيث يغري إيران بالتفاوض نظراً لأنها دولة متمكنة تفاوضيًا، ويهددها بذات الوقت بالحرب ويستبق نتائجها بخسارة إيرانية محتمة. وحسب بعض المصادر الإعلامية فقد أرسلت الولايات المتحدة طلباً لإيران بالتفاوض وعدم الردّ مقابل رفع بعض العقوبات وتقديم حوافز اقتصادية، وكأنّ ترامب لا يدرك أنّ هذه الجريمة بالنسبة لإيران ومحور المواجهة ليست مجرد عملية اغتيال، فالمنطقة لن تكون قبلها كما بعدها، أو أنّ إدارته أدركت أنّ هذه الجريمة وأد للانتصارات الميدانية التي حققها محور المواجهة في سوريا والعراق واليمن، وأنّها تهدف إلى تفريغ ما راكم المحور من قدرات ردعية وهيبة على مدى العقد السابق. هذا فضلاً عن فرض الوجود الأمريكي في العراق وسوريا حماية لـ"إسرائيل" ونهباً لثروات المنطقة وتكريساً للهيمنة الأمريكية، وليس بعيداً عن هذه الأهداف إعلان الاحتلال الأمريكي الصريح للعراق، لمحاولة إرغامه على مخطط التقسيم مجدداً، وقطع الطريق الواصل طهران وبغداد ودمشق ببيروت.
بعد محاولة الإجابة على السؤال المركزي لماذا، والأهداف التي توختها إدارة ترامب، فإنّ الردّ الإيراني سيكون حتمياً وموجعاً، بغض النظر عن مكانه وزمانه اللذين لا يعرفهما أحد. وهو موجعٌ ليس لسقوط قتلى أمريكيين فقط، بل الأشد إيلاماً هو خروج الولايات المتحدة من العراق والمنطقة. وأميل للقول إنّ ساعة استشهاد الجنرال سليماني والقائد أبو مهدي المهندس، كانت هي ذاتها ساعة الصفر للبدء بالعمل على هذا الهدف، فهذه الجريمة رتبت على الولايات المتحدة ثأراً مركباً، ثأراً إيرانياً وثأراً عراقياً وثاراً لمحور المواجهة كتكتلة موحدة، فإيران ومحورها الذين أفشلوا المخططات الأمريكية لن يسمحوا لها بكسب الحرب في ربعها الأخير، ولم يكونوا يدفعون الدم والصبر على مدى عشرة أعوام حتى يُهدوا المنطقة لترامب. أمّا ولاية ترامب الثانية فقد أصبحت بالنسبة للمحور على هامش الأحداث وخسارته لها أصبحت مضمونة حكماً، وسيبدو ترامب كلاعب الملاكمة الذي أجهدته خسارة الجولات بالنقاط، فقرر استعجال الضربة القاضية.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024