آراء وتحليلات
تونس: حكومة الرئيس .. الكرة في ملعب ساكن قرطاج
تونس ـ روعة قاسم
بعد فشل التركيبة الحكومية التي قدمها رئيس الحكومة التونسية المكلف الحبيب الجملي، والتي قضى وقتا طويلا في إعدادها، في نيل تزكية البرلمان للمرة الأولى منذ سنة 2011، تاريخ دخول تونس في هذا المسار الديمقراطي، تتجه الأنظار هذه الأيام إلى ما يعرف بـ"حكومة الرئيس". إذ سيقوم رئيس الجمهورية، ساكن قرطاج، باختيار شخص يرشحه لرئاسة الحكومة وعلى الكتل والأحزاب أن تقبل بهذا الشخص لتشكيل الحكومة، وكأن النظام البرلماني التونسي قد أصبح رئاسياً بهذه الآلية بعد سحب صلاحية الترشيح من الحزب الفائز بالمرتبة الأولى.
وقد بدأ رئيس الجمهورية بمكاتبة رؤساء الأحزاب السياسية وذلك قصد اقتراح من يرون فيه الكفاءة لتولي تشكيل الحكومة، وطلب أن يقع الجواب عن ذلك كتابة أيضاً، حتى تكون لديه الحجة على اختيارات كل طرف من هذه الأطراف. فالتجربة مع الحبيب الجملي أثبتت أن الأحزاب التونسية سرعان ما تتنصل من تعهداتها ثم تنكر لاحقاً ما تعهدت به، وبالتالي فقد أصبح رئيس الجمهورية يحتاط ويدفع باتجاه تحميل المسؤوليات لأصحابها أمام الرأي العام الوطني.
ممنوع من الفشل
وأمام ما تعيشه تونس اليوم، من أزمتين واحدة اجتماعية وأخرى اقتصادية ومن شلل تام للديبلوماسية وغياب على الساحتين الإقليمية والدولية، يبدو رئيس الحكومة الذي سيكلفه ساكن قرطاج ممنوعاً من الفشل في نيل التزكية من قبل مجلس نواب الشعب. وبالتالي على الرئيس قيس سعيد أن يدقق جيدا في اختيار المرشح لضمان الحزام البرلماني الداعم له ولتركيبته الحكومية التي سيتم اقتراحها يوم الحسم أمام البرلمان تجنبا لما حصل للحبيب الجملي مرشح حركة النهضة منذ أيام قليلة.
ويتم الحديث عن عدد من الأسماء في هذا الإطار على غرار وزير الخارجية الأسبق المنجي الحامدي الذي أبلى البلاء الحسن سابقا في الملف الليبي وكان مبعوثا أمميا إلى مالي، إضافة إلى وزراء عملوا مع بن علي من أصحاب الكفاءة في المجال الاقتصادي على غرار محمد النوري الجويني. لكن العارفين بشخصية رئيس الجمهورية قيس سعيد يتوقعون أن تحصل مفاجأة من العيار الثقيل ويتم اختيار شخص غير متوقع من قبل ساكن قرطاج قد لا يكون محل إجماع من قبل الأحزاب السياسية التي يناصب بعضها العداء للبعض الآخر.
حكومة تصريف الأعمال
ويتحدث بعض السياسيين والمحللين عن إمكانية أن لا تنال حكومة الرئيس ثقة البرلمان أيضاً وأن يذهب الرئيس باتجاه حل البرلمان وهو ما يعني ضمنياً إجراء انتخابات تشريعية سابقة لأوانها خلال الأشهر القليلة القادمة. لكن بالمقابل هناك من يستبعد هذه الفرضية لسببين أولهما أن نواب البرلمان قد يزكون الحكومة المفترضة مكرهين خوفا من خسارة مواقعهم في المجلس والحصانة النيابية التي تحمي كثيرا منهم من المساءلة، وثانياً لأن حل البرلمان من قبل الرئيس هو إمكانية وليس إجباراً بحسب الدستور التونسي الجديد، أي أن الرئيس ليس مجبراً على حل البرلمان وإنما له الاختيار.
وبالتالي قد لا يحل ساكن قرطاج البرلمان رغم عدم تزكيته للحكومة للمرة الثانية وفي هذه الحالة تواصل حكومة تصريف الأعمال الحالية برئاسة يوسف الشاهد تسيير البلاد إلى أجل غير معلوم وقد يمتد عملها لخمس سنوات قادمة، وهذا غير مخالف للدستور. وتبدو هذه الفرضية ممكنة بالنظر إلى العلاقات الشخصية الوطيدة التي تربط قيس سعيد بيوسف الشاهد والتي تجلت في استجابة ساكن قرطاج لصاحب القصبة بإقالة وزيري الخارجية والدفاع السابقين وبقاء تونس إلى اليوم دون وزير خارجية ووزير دفاع إرضاء للشاهد من قبل سعيد المسؤول دستوريا عن تسمية وإقالة هذين الوزيرين خلافا لبقية الوزراء.
معارضة شديدة
ويخشى عدد كبير من التونسيين من هذا السيناريو باعتبار الأرقام الاقتصادية الكارثية التي تم تسجيلها مع حكومة يوسف الشاهد في السنوات الأخيرة بالإضافة إلى أن الشاهد خلق عداوات كثيرة خلال ثلاث سنوات وقد يواجه بمعارضة شديدة في حال واصل رئاسة الحكومة. فقطاع المحاماة على سبيل المثال تعرض لحملة شعواء خلال فترة حكم يوسف الشاهد، وتمت خلال هذه الحملة شيطنة المحامين واتهامهم بالتهرب الضريبي وبالفساد وأثرت هذه الحملة في الشارع الذي سقط في وقت ما في التعميم.
كما أن العلاقة بين يوسف الشاهد والاتحاد العام التونسي للشغل سيئة إلى أبعد الحدود ولا يتصور أن الاتحاد سيدعم استمرار الحكومة الحالية بعد أن وصلت الأمور إلى طريق مسدود بينه وبينها أكثر من مرة خلال السنوات الماضية. وأسوأ الأزمات في هذا الإطار هي تلك التي كان طرفاها وزارة التربية ونقابة التعليم الثانوي وتعطلت بسببها الدروس مرارا وتكرارا ولفترات طويلة وهو ما خلق نفورا بين حكومة يوسف الشاهد والمركزية النقابية سيجعل الأخيرة تعارض بشدة فرضية التمديد للشاهد وفريقه.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024