معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

المصارف تواصل التلاعب
17/01/2020

المصارف تواصل التلاعب

يوسف الريّس

أوصلت السنوات الطويلة من السياسة النقدية الهادفة لتثبيت سعر الصرف إلى ما يعيشه لبنان اليوم من أزمات مالية ونقدية.
أحد تجليات ذلك إعلان رئيس وحدة تحليل الديون السيادية في وكالة "فيتش" أن لبنان قد يتجه إلى السيطرة على جزء من أموال المودعين متمثلا بالنموذج القبرصي، وإن كان هذا الاتجاه لا يعتبر تعثرا إذ إن التعثر هو عدم دفع الحكومة لديونها عند الاستحقاق. هذا الاتجاه كان قد نفاه حكم مصرف لبنان سابقا، إلا أن التوجه إلى هكذا خطوة باتت احتمالاته ترتفع.

الوضع المالي والنقدي متأزم، في وقت لا تزال المصارف فيه تحتجز أموال المودعين والليرة رهينة السوق السوداء. أما على صعيد مستوى الأسعار فقد ارتفعت بنسب خيالية مترافقة مع انخفاض قيمة العملة التي وصلت خلال الأسبوع الماضي إلى 2450 ليرة مقابل الدولار الواحد. هذا الغلاء المعيشي ترافق مع انكماش في الأسواق جعل الشركات الصغيرة والمتوسطة إضافة إلى أصحاب المحال الصغيرة تحت خطر التعثر والاقفال مع ما ينتج عن ذلك من ارتفاع في معدلات البطالة.

هذا الوصف الجزئي يشير إلى عمق الأزمة المتجذر بكل مفاتيح الاقتصاد، بحيث يظهر نموذج الحريرية الاقتصادية هشاشته. حصر النمو بالقطاع العقاري جعل لبنان رهينة سوق انتاجية واحدة، وأنتج خللًا في القطاع المصرفي المتكل على قطاع العقارات لجذب الدولار.

تؤول المؤشرات الى الكفة السوداوية في الميزان، فرغم توجه الأسواق إلى الانحدار، ظهر ارتفاع أموال البنوك اللبنانية في الولايات المتحدة الأميركية حتى وصلت إلى 13 مليار دولار في تشرين الثاني من عام 2019 بعد أن كانت حوالي 5 مليارات دولار في آب 2019 بحسب وزارة الخزانة الأميركية رغم أن أكبر مبلغ حوّل خلال السنوات العشرة السابقة كان 8 مليارات دولار.

وقد لبّى بنك لبنان والمهجر طلب حاكم مصرف لبنان بزيادة نسبة الملاءة 10% أي بما يعادل 261.94 مليون دولار بحسب بيان الأربعاء الماضي، على أن تضخ الأموال مباشرة لرأسالمال.

هذا البيان بالاضافة إلى أجواء تشكيل الحكومة أراح الأسواق في الأمس، وتراجع سعر صرف الدولار في السوق السوداء ليصل إلى ما يقارب 2100 ليرة في مقابل الدولار. إلا أن عمق الأزمة لا يمكن معالجته بفتات من الدولارات فهذا الضخ لا يطيح بعجز ميزان المدفوعات ولا يسدّ عجز ميزانية الدولة.
 
لا تزال منهجية رياض سلامة بربط الاقتصاد ككل بقدرته على جذب الدولار من الخارج نفسها وإن غيّر المصدر من المغتربين إلى المصارف. ولا تزال منهجية المصارف نفسها: استنزاف الاقتصاد وخلق أجواء دعائية تطمينية.

فالبنوك استغلت واستفادت من تركيبة الاقتصاد اللبناني على مدى سنوات، وتوّجت أرباحها بالهندسات المالية أخيرا بحيث كانت أرباحها السنوية تتراوح ما بين الخمسة والستة مليارات دولار، لتحوّل في بداية الأزمة مليارات الدولارات ويوافق مصرف وحيد على زيادة ملاءته خلال الأزمة.

كان من الأجدى أن تتحمل هذه المصارف المسؤولية وعلى رأسها الحامي الأول لمصالحها رياض سلامة وتمنع هروب الدولار. لا بد أن تتمثّل باقي المصارف بقرار مصرف لبنان والمهجر لتحسين ظروف النقد في البلد، لعلّ ارتياح الأسواق يخفف من حدّة الأزمة. إلا أن لا حلول قصيرة المدى، الحلّ الوحيد هو بناء تموذج اقتصادي جديد بأهداف وأدوات جديدة. فالاقتصادات المتينة لا تتبنى سعر تثبيت الصرف كهدف، بل تتجه السياسة النقدية إلى ضبط معدل التضخم، وتسعى لتحقيق هذا الهدف بكل الأدوات والوسائل المتاحة. حتى ذلك الحين، الشعب اللبناني رهينة هذا الهيكل المهترئ.

المصارف

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات