آراء وتحليلات
أزمة لبنان: أين يكمن الخطر ومن يتحمل المسؤولية؟
د. محمد علي جعفر*
لا شك أن لبنان يمر بمرحلة مفصلية في تاريخه، فيما ينحدر الواقع اللبناني نحو وضعٍ خطير على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي، في ظل نخبة حاكمة ما تزال تُقارب الأوضاع ضمن المصالح السياسية والحسابات الضيقة والتي لا تهم المواطن ولا تعالج أياً من مشكلاته المعيشية، ما يعني غياب صفة المسؤولية الحقيقية عن الأطراف السياسية في لبنان من أحزاب وتيارات، خصوصاً أن البلاد تعيش لحظة راهنة لا تحتمل ترف الوقت. فمن يتحمل المسؤولية؟
إن المخاطر الحالية كما تبدو، تتصف بأنها تُشكل تحدياً جديداً أمام الجميع وليس فقط النخبة الحاكمة. وحيث تزداد الفجوة يوماً بعد يوم بين كلٍ من المواطن والأحزاب والتيارات السياسية الحاكمة للدولة، فإن القراءة الموجزة لنتائج ما بعد 17 تشرين الأول 2019، تُظهر أن الجميع فشل في تقديم مقاربة للأزمة بحجم الوطن. وهو ما لا تتحمل مسؤوليته الطبقة السياسية فقط، بل إن النخب المدنية والعلمية والإعلامية تتحمل المسؤولية أيضاً. لكننا لا نجد حتى اليوم من يُقدم طرحاً يليق بمستوى التحديات. فما هي المعضلة الحقيقية لكل ما يجري؟
في الحديث عن أسلوب الحكم يجب لحاظ أن
وهل كان ليستمر هذا الأسلوب لو مارست النخب العلمية والإعلامية والمدنية دورها المطلوب؟ وهل يعتبر التغييب المقصود لهذه الطاقات من المُبررات التي يمكن القبول بها في ظل واقعٍ يوحي بأن البلاد تنحدر ضمن مسارٍ من الانهيار؟ ومَن سيلوم مَن عند حصول الكارثة؟
باختصار، نعاني في لبنان من غياب المسؤولية المجتمعية. والأسباب لذلك كثيرة. أولها ذهنية النخبة الحاكمة وما تُبيِّنه ترجماتها العملية من سوء إدارة للدولة. ثانيها عقلية اللبنانيين المُطبِّعة للفساد كنتيجة لتربية تغيب عنها مفاهيم الدولة. وبين السببين، تتحمَّل النُخب العلمية والإعلامية مسؤولية تقاعسها عن الدور المطلوب بحق الوطن. وليس مُبرراً لأحد الخضوع لمنطق الاستزلام والارتهان لواقع الفساد والذي بات سمة الجميع في لبنان. فإذا كان الفساد هو سوء استخدام السلطة لمآرب ومنافع شخصية، فأين يوجد مكانٌ في لبنان يغيب عنه الفساد؟
ولعل أكبر مُكرِّسٍ لذلك هو إطار المحاصصة الطائفية والتي تُشكل ميزة النظام السياسي اللبناني والمعيار الحاكم للإدارة العامة. وهنا يتساءل الجميع عن الأسباب الكامنة وراء غياب قدرة اللبنانيين على إدارة دولتهم. بحسب المراجعة التاريخية، الجواب بسيط جداً رغم تعبيره عن واقع مُعقَّد. لم يعتد اللبنانيون على إدارة شؤونهم، ومن كان يُدير شؤونهم عوَّدهم على الفئوية في قراءة الواقع ومعالجته. وعندما تُركوا لأمورهم، باؤوا بالفشل!
بناءً على ذلك، كيف يمكن معاتبة نخبة حاكمة لا تمتلك أهلية الحكم؟ وما المطلوب لمعالجة الوضع الراهن؟
تحتاج المسألة لأن يخرج الجميع من الأطر التقليدية في مقاربة الأمور. وهو الكلام الموجَّه للنخب كافة قبل النخبة الحاكمة. النخب العلمية والمدنية والإعلامية التي تُعتبر الأقدر على التحرر من ضغط الواقع السياسي اللبناني الفاسد، والتي كانت مُغيَّبة عن الواقع اللبناني وبشكل مقصود. وهنا، تعتمد هذه القراءة على الأهمية التي تلعبها النُخب في إدارة الدول.
في الدول،
في لبنان، تُقارَب مصالح المواطن والدولة ضمن إطار من الشراكات الفئوية والمُحاصصة ذات الطابع الطائفي، بين زعماء سياسيين يتلطون خلف طوائفهم. فيما الطائفية ليست إلا مُبرراً لشد العصب الجماعي للقواعد الشعبية التابعة للأحزاب. ولم يكن ذلك بعيداً عن النخب العلمية والإعلامية والتي للأسف تخلَّت بأغلبها عن دورها المطلوب، وانخرطت لتُقارب مصلحة الوطن ضمن إطار سياسي يتنافى مع احتياجات المواطن. ولم تبتعد عن كونها باتت جزءاً من شبكة المحاسيب الساعية للترويج للتوجه السياسي للأحزاب والتيارات دون القيام بأي جهد لترجمة العلوم بما يخدم المواطن وعلى كافة الأصعدة مع ما يعنيه ذلك من أهمية لبناء وعي مجتمعي.
بالنتيجة، لبنان هو ضحية فقدان النخب للمسؤولية المجتمعية. وليس صحيحاً العتب على نخبة سياسية يعترف الجميع بفقدها للأهلية. لكن السؤال الحقيقي: لماذا تتقاعس النخب الأخرى عن القيام بمسؤولياتها؟
*متخصص في نُظم السياسات والحوكمة
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024