آراء وتحليلات
تثبيت سعر الصرف وانعكاسه على الأسواق
يوسف الريّس
صدر بيان عن نقابة صيارفة لبنان تعلن فيه عن الاتفاق ما بين حاكم مصرف لبنان ومجلس نقابة الصرّافين على وضع حدّ أقصى لسعر شراء الدولار 2000 ليرة لبنانية تحت طائلة إلحاق العقوبات الإدارية والقانونية بالمخالفين. تزامن البيان مع إعلان رئيس الحكومة حسّان دياب عن تشكيلته الوزارية من القصر الجمهوري، وبناءً على ذلك، شهد لبنان حركة من الارتياح في الأسواق.
هذا الارتياح قد يطول إذا ما سارعت الحكومة لإصدار بيان وزاري فيه ما يعوّل عليه من سياسات اقتصادية مساعدة على تخطي الأزمة.
خطوة تحديد سعر صرف الشراء في السوق الموازية للقطاع المصرفي تحمل حقيقة اعتراف الدولة بانخفاض قيمة العملة ومحاولتها السيطرة على تسارع الانخفاض الذي تشهده السوق، وبالتالي بدء خوضها معركة اقتصادية بعد اعترافها الجدّي. أما واقع سوق الصيارفة فيحمل عدّة سيناريوهات مستقبلية منها إمكانية رفع سعر مبيع الدولار رغم تحديد سعر شرائه، أو خلق سوق سوداء أكثر احتكارًا وجشعًا من سوق الصيارفة في حال توقف الصيارفة عن بيع الدولار، أو الالتزام بالمصلحة الاقتصادية الوطنية التي بني على أساسها الاتفاق.
سيرتبط سيناريو تداعيات قرار الصّرافين بالوضع الحكومي، فإذا ما استطاعت الحكومة الجديدة خلق ارتياح بالأسواق سينزلق تلقائيا الضغط عن القطاع المصرفي مما سيساعد الحكومة بأخذ قرارات رقابية على المصارف والصّرافين.
عمليًا، لا يمكن أن تستمر الحكومة بالسياسات المنتهجة من 1993 وحتى العام الحالي، لا يمكن أن تعتمد أسلوب الاستدانة أو طلب المساعدات من الدول الخارجية لتنفيذ خطط إعمارية بلا هدف طويل الأمد. إن جلّ ما قد تقدمه حكومة الوجوه العلمية هذه خلق نظام يحكم لا يرتبط بالأشخاص لتهيئ بذلك لبلد تحكمه الاستراتيجيات والخطط طويلة الأمد.
إن ما يعيشه لبنان اليوم هو نتيجة شخصنة النظام الاقتصادي وعمله على المراحل قصيرة الأمد.
السياسة النقدية لمصرف لبنان تهدف إلى تثبيت سعر الصرف لتصبح بذلك كل مقدرات المصرف المركزي من أدوات وهندسات مالية ونقدية تصبّ في مصلحة تثبيت سعر الصرف. وهو ما خلق هذه الفجوة التراكمية الكبيرة في ميزان المدفوعات والتي جعلت من الاستدانة والفوائد المرتفعة سبلاً إنقاذية.
علميًا، إن سياسة تهدف إلى تثبيت سعر الصرف لا يجب أن تتخطى مدّتها السنة أو ال18 شهرا نظرا لكونها تندرج تحت السياسات الانتقالية لكلفتها المرتفعة على مختلف الأصعدة وأبرزها على الاستثمار الانتاجي نظرا لوجوب رفع الفائدة لتحقيقها.
عمليًا، إذا ما فشلت سياسة ما في خلق نموذج اقتصادي يتناسب مع وضع البلد يجب تغييرها، فكيف إذا كانت نتيجة هذه السياسة أزمة اقتصادية مدوّية؟
صلاحيات المصرف المركزي تتمثل بوضع سياسة نقدية. واجهت على المدى الطويل اقتصادات العالم أزمات، جعلتها تخلق حلولًا، وأهدافًا وأدوات جديدة. ونظرا لكون الهدف هو الأساس في أي سياسة، فإن بدء العمل على سياسة نقدية جديدة بهدف جديد باتت ضرورة قصوى. إذ إن لا حلّ لأزمة بسياسة كانت المسببة لها.
أبرز ما قدمته تجارب اقتصادات الدول المتطورة هي سياسة تهدف إلى تحديد معدل التضخم. فالتضخم بمعنى اقتصادي بحت، يشير إلى زيادة عامة في مستويات الأسعار بسبب زيادة في كمية النقد. أي أن نمو المخزون النقدي يزيد بشكل أسرع من مستوى الإنتاجية في الاقتصاد. ويجمع الاقتصاديون أن زيادة الانتاجية أكثر من المخزون النقدي مؤذٍ للاقتصاد. بشكل مبسط، فإن التضخم هو مؤشر غلاء الأسعار، ولا بد من ارتفاعه ولكن بنسب قليلة للحفاظ على نموذج اقتصادي ناجح. هذا الهدف، علاوة على الحفاظ على نسب فوائد معتدلة على المدّة الطويلة هما ما سيحدد أدوات المصرف المركزي. وبذلك يتحول لبنان من الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد الانتاجي.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024