آراء وتحليلات
ما هي حدود التصعيد الروسي - التركي في سوريا؟
شارل ابي نادر
انتشرت في الساعات الماضية معطيات عن استهداف طيران روسي لرتل عسكري تركي، كان قد دخل من معبر حدودي شمال ادلب لدعم المسلحين الارهابيين، والذين يخوضون معركة صعبة بمواجهة وحدات الجيش العربي السوري وحلفائه. وقد نجح الجيش السوري بالتقدم بخطى ثابتة وفعالة، وذلك في أغلب مواقع الارهابيين في ريفي حلب الجنوبي الغربي وادلب الجنوبي الشرقي.
من المحتمل جدًا أن تكون عناصر الرتل الذي استُهدف من المسلحين الارهابيين باغلبهم، مع وجود سائقين أتراك فقط، فهذا كان دائما يتم في الشمال السوري وفي حركة الدعم التركي لمسلحي الشمال، وايضا، قد لا تكون القاذفات التي استهدفت الرتل التركي بقيادة طيارين روس، فمن المحتمل وبقوة ان تكون قاذفات تابعة للطيران السوري وبقيادة ضباط سوريين، وبما انها روسية الصنع، فقد اخذ الموضوع طابع الطيران الروسي يقصف الاتراك، والأهم ايضًا، وبمعزل عن جنسية الطيارين، روسًا أم سوريين، فإن العملية حتما هي بغطاء ورعاية وقبول روسي.
وهنا بيت القصيد في معطيات هذا الاستهداف بغطاء روسي، فهل تؤشر لتباعد روسي - تركي لدرجة انهاء التفاهمات المشتركة حول الحل في سوريا وخاصة في استانة او في سوتشي، ام أنها اجراءات ميدانية آنية تفرضها ضرورات المعركة حاليًا، ولن تؤدي الى انهاء تلك التفاهمات؟
في الحقيقة، ليست المرة الاولى التي يدعم فيها الاتراك المسلحين في ادلب، ففي أغلب المواجهات بين هؤلاء والجيش العربي السوري، كان الأتراك، عبر مخابراتهم أو مباشرة عبر وحدات لوجستية أو مدفعية أو مدرعات، يلعبون دور الداعم أو المساند للارهابيين، وحتى بعد اتفاقي استانة وسوتشي، بقي هذا الدعم التركي قائمًا وكان ظاهرًا بوضوح، ولكن اليوم، هناك معطيات ميدانية واستراتيجية متغيرة، تفرض التشدد الروسي في انهاء دعم انقرة للمسلحين، وتفرض أيضًا التشدد التركي لمنع أو لتخفيف الدعم الروسي العسكري والديبلوماسي لعملية الجيش السوري الواسعة شمالاً، وهذه المعطيات يمكن تلخيصها بالتالي:
ميدانيًا
- بمجرد اجراء نظرة سريعة للتغيير الحاصل في خارطة السيطرة شمالًا، لوحدات الجيش العربي السوري ولحلفائه من جهة، ولسيطرة الارهابيين من جهة اخرى، يمكن ملاحظة حجم التقدم الميداني لوحدات الجيش العربي السوري، خاصة ان منطقة العمليات العسكرية حاليا، والمقسومة الى قسمين رئيسين، الاول في ريف حلب الجنوبي الغربي، والثاني في ريف ادلب الجنوبي الشرقي، تشهد تقدما سريعا للجيش ولحلفائه، الامر الذي يعطي فكرة ان استمرار هذا التقدم بنفس الوتيرة، سيؤدي حتما وبمدة غير بعيدة، الى انهاء وجود الارهابيين في ادلب وريف حلب الغربي بالكامل، والى وصول وحدات الجيش العربي السوري الى الحدود مع تركيا مباشرة.
-
استراتيجيًا
- يبدو أن الأتراك قد راهنوا على حاجة الروس لابقاء التحالف أو شبه التحالف مع أنقرة قائمًا، وهذا الأمر غير بعيد، فموسكو تنظر بجدية كبيرة للموقف التركي الى جانبها بمواجهة الاميركيين والاوروبيين وخاصة الناتو، وطالما كانت فكرة انتزاع أنقرة من الحضن الاميركي أو الحضن الغربي، هدفًا روسيًا استراتيجيًا، بالاضافة طبعًا للمصالح الروسية الاقتصادية، والتي تستطيع انقرة المساهمة في تأمينها، عبر شراء الاسلحة الروسية النوعية، أو عبر اكمال مشروع سيل الغاز الروسي الى اوروبا عبر تركيا.
- هذا الرهان التركي على الحاجة الروسية لهم، قابله مؤخرًا كما يبدو موقف روسي متقدم، اكتشف من خلاله الرئيس بوتين المناروة التركية في استغلال تلك الحاجة، في سبيل تحقيق عدة اهداف لانقرة، في سوريا وفي خارجها، وبالتحديد في ليبيا، حيث لتركيا مصلحة واضحة في دعم حكومة الوفاق الليبية عبر نقل ارهابيين ومسلحين من الشمال السوري الى طرابلس الليبية، بهدف تقوية موقف حكومة السراج الرسمي والعسكري بمواجهة خليفة حفتر، والمدعوم اصلا من الروس، والهدف الاستراتيجي الابعد لتركيا في ذلك، تثبيت وشرعنة الاتفاق الاقتصادي مع ليبيا في تقاسم المياه الاقتصادية الخالصة في شرق المتوسط، بمواجهة حلف الغاز المقابل (المصري – اليوناني- الاسرائيلي).
كل هذه المعطيات بنظر تركيا، والمتمثلة بالحاجة الاستراتيجية الروسية للعلاقة المتقاربة معها، والتي هي عمليا تصب باغلبها لناحية تأمين المصالح التركية الخاصة، في الملف السوري او في الملف الليبي، لم تستطع كما يبدو أن تقنع الروس بالاستمرار في مهادنة الاتراك في الملف السوري، وحيث راى الروس أن مصالحهم الابعد، لناحية التخلص من الابتزاز التركي، او لناحية تثبيت المصداقية في العلاقة مع الحليفين (سوريا وايران)، سوف تكون مؤمنة في انهاء ملف ادلب وتثبيت سيادة الدولة السورية على كامل جغرافيتها، ذهبوا حتى النهاية كما يبدو في دعم الجيش العربي السوري في عملية تحرير كامل الشمال السوري، بالرغم من الاعتراض والصراخ التركي الأخير.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024