معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

الوجود الفلسطيني هدف دائم: مستقبل
11/02/2020

الوجود الفلسطيني هدف دائم: مستقبل "صفقة القرن" رهن الصمود والمقاومة

جهاد حيدر

كان ولا يزال الوجود السكاني الفلسطيني يشكل عقبة أساسية أمام تنفيذ المشروع الصهيوني الذي يستهدف فلسطين والمنطقة. من هنا، كان هذا الشعب هدفاً أولاً للحركة الصهيونية وللكيان الإسرائيلي. ولم يكن قادة العدو ليعلنوا عن اقامة "دولة إسرائيل" في العام 1948، إلا في اطار مخطط مدروس يهدف إلى التخلص من الوجود السكاني الفلسطيني، الذي كان مجرد وجوده على أرض فلسطين، يحول دون اقامة دولة يهودية.
والسبب بكل بساطة ووضوح، أن المعادلة السكانية التي كانت قائمة في ذلك الحين بين اليهود الصهاينة وبين الشعب الفلسطيني، هي نسبة الثلث (حوالي 650 الف) إلى الثلثين (حوالي 1300 ألف) لمصلحة الأخير. ففي كل السيناريوهات لم يكن بالامكان أن يتم الاعلان عن اقامة الكيان الإسرائيلي، وضمنها وإلى جانبها هذا العدد من الفلسطينيين. لذلك كان من الضروري التخلص منهم بأية وسيلة ممكنة، وتم ترجمة ذلك عبر تهجير أغلبية الشعب الفلسطيني، حوالي 750 ألف من أصل 900 ألف كانوا يقطنون المناطق التي تم احتلالها عام 1948،  

مع ذلك، فإن العديد من العوامل الميدانية والسياسية والسكانية حالت في ذلك الحين دون أن يتمدد الاحتلال ليشمل أيضًا الضفة الغربية وقطاع غزة، إلى أن تم احتلالها في حرب العام 1967. وفي العام 2017، وبمناسبة مرور 50 عامًا على تلك الحرب، سمحت الرقابة العسكرية الإسرائيلية بالكشف عن الكثير من الوثائق التي أظهرت بشكل واضح مسعى "إسرائيل" في ذلك الحين لتفريغ الضفة الغربية وقطاع غزة من سكانهما. وهكذا تجلى مرة أخرى عقبة الوجود الفلسطيني في مواجهة المخططات الصهيونية، ومن هنا كان حضوره في مقاربات قادة العدو... عشية وبعد احتلال تلك المناطق عام 1967. وكشفت الوثائق كيف درس القادة الصهاينة سبل دفع الفلسطينيين إلى الهجرة خارج الاراضي الفلسطينية.

وهكذا يلاحظ أن العامل السكاني بقي حاضراً في كل الخيارات والمشاريع والبرامج التي تناولت الضفة الغربية، وصولًا إلى بلورة صفقة القرن التي ظهر فيها مرة اضافية الوجود السكاني الفلسطيني كعقبة أمام المخططات التي تستهدف القضية الفلسطينية.

فقد شكَّل استمرار احتلال الضفة، وضمها إلى الكيان، مطلباً إسرائيلياً دائما، لما تمثله من موقع خاص في الوجدان اليهودي، ونتيجة موقعها الاستراتيجي. في المقابل، شكّل القيد السكاني عقبة أمام أي عملية ضم تطمح اليها "إسرائيل" كونه يهدد الطابع اليهودي للكيان الإسرائيلي. ففي العام 1948، تعاملت "إسرائيل" مع هذا القيد بتهجير الفلسطينيين. أما في الظروف الحالية فلا يبدو أن هذا الخيار ممكن تنفيذه بنفس الاسلوب في المعادلات الحالية.

في ضوء ذلك، تبلور مضمون "صفقة القرن" بما يلبي المطالب الإسرائيلية، وفق أقصى الممكن، عبر الموافقة على ضم أوسع مساحة ممكنة من الارض والمستوطنات مع أقل عدد ممكن من الفلسطينيين. في المقابل حرصت الصفقة على  ابقاء التجمع السكاني الفلسطيني في أضيق مساحة جغرافية، فيما يشبه "الغيتوات" تحت مسمى دولة. ويمكن التقدير إلى حد الجزم، أن "إسرائيل" لن تغفل مخطط تهجير الفلسطينيين من هذه المنطقة، وفق تكتيك أقل "عنفا" مما حصل في مراحل سابقة.

مستقبل "صفقة القرن"

مما يُميِّز صفقة القرن أنها ليست مبادرة ومشروعًا للتفاوض، وانما صيغة املاء وشرعنة لواقع سكاني قائم، وبهدف فرض وقائع سياسية. لذلك فإن ما سينفذه الإسرائيلي من خطوات، ليس هو الأهم. وانما الأهم هو الموقف السياسي والشعبي الفلسطيني الذي سيُحدِّد مستقبل الوضع في فلسطين. فصفقة القرن لم تُنتج احتلالًا وانما تشرعن احتلالاً. فمع أو بدون "صفقة القرن" كان ولا يزال الاحتلال قائما في كل فلسطين ومن ضمنها الضفة الغربية. ومع "صفقة القرن" أو بدونها، فإن خيار مقاومة الشعب الفلسطيني هو الذي سيُحدِّد مستقبل الصفقة ومستقبل الاحتلال. لذلك، فإن موت وحياة "صفقة القرن" ليس تلقائياً، وانما مستقبلها مرتبط بالدرجة الاولى بالشعب الفلسطيني. وبالدرجة الثانية، مرتبط بالعمق العربي والاقليمي في دعم مقاومتهم ضد الاحتلال.

أياً كانت السياقات الداخلية الأميركية، والدور الذي لعبه اللوبي الإسرائيلي في صياغة واملاء الصفقة، يبقى الموقف العربي الرسمي، وتحديدا السعودي، نقطة ارتكاز في بلورة السياسات الاميركية السابقة واللاحقة، وصولًا إلى صيغتها "المتطورة" على يد ترامب. ويعود ذلك إلى مفهوم مفاده أنه ما دامت الولايات المتحدة ترى أنها لن تدفع أثماناً سياسية أو أمنية أو اقتصادية مؤلمة نتيجة دعمها المادي والعسكري والسياسي للكيان الإسرائيلي. من الطبيعي أن تذهب بعيداً في سياساتها الداعمة لهذا الكيان، وصولًا إلى تبني مزاعمه عن حقوق منبثقة من التوراة والتاريخ. كما ورد على لسان الرئيس ترامب.

في المقابل، شكلت المقاومة في لبنان وفلسطين عاملاً اساسياً في تقييد الدور الوظيفي للكيان الإسرائيلي على مستوى المنطقة. وأسست لمسار سوف يؤدي في مآلاته إلى تعطيل هذا الدور، مع ما قد يترتب على ذلك من تداعيات دراماتيكية على النفوذ الاميركي. في نفس السياق، فإن تراجع النفوذ الاميركي في المنطقة، تحوَّل وسوف يتحول إلى إلى تراجع اضافي في قوة الردع الإسرائيلية. وفي المقابل، ايضا، فإن تعاظم قوة ردع أي من الطرفين سوف ينعكس ايجاباً، بالضرورة، على قوة الطرف الآخر، في عملية تغذية متبادلة بالاتجاهين، ضعفاً وقوةً.

صفقة القرن

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات