آراء وتحليلات
إرث "ايزنكوت" في مواجهة لبنان: ارتداع.. وتراكم قدرات المقاومة
جهاد حيدر
اذا ما تجاوزنا الجانب الاستعراضي والدعائي الذي يواكب تقاعد كل رئيس أركان لجيش العدو، مع وجود استثناءات في أكثر من محطة (استقالة دان حالوتس في أعقاب هزيمة حرب العام 2006)، يتزامن خروج "غادي ايزنكوت" من منصبه ومن الخدمة العسكرية، ودخول خلفه "أفيف كوخافي"، مع تطورات مفصلية في البيئتين الاستراتيجية والعملانية المحيطة بكيان العدو.
على المستوى الاستعراضي، حرص "ايزنكوت" على الظهور إعلامياً محاولاً توثيق ما يسميه إنجازات في مواجهة محور المقاومة. ولهذه الغاية أجرى سلسلة مقابلات احتلت عناوين نشرات الأخبار والصحف، بطريقة احتفالية. وعلى ما يبدو، أكثر ما أسعد الاسرائيليين في ولاية "ايزنكوت" هو عدم توريطهم في أي حرب مع محيطها الاقليمي!! خاصة وأن الرأي العام بات يدرك أن أي مواجهة واسعة ستكون الجبهة الداخلية إحدى ساحاتها الأساسية.
مع ذلك، لوحظ خلال المرحلة السابقة، وتحديدا خلال الأربع سنوات الأخيرة ـ ولاية ايزنكوت ـ أن "اسرائيل" اعتمدت سياسة "حافة الهاوية"، على أمل أن تنتزع من حزب الله تنازلات والتزام بقيود، في مواجهة أي اعتداء اسرائيلي. ومن المعلوم أن من شروط نجاح "حافة الهاوية" أن يُقنع أحد الأطراف الطرف المقابل، بأنه على استعداد للذهاب حتى النهاية، لكن الذي كان يحصل أن حزب الله كان يواجه هذه السياسة بموقف حازم يجبر "اسرائيل" على التراجع والانكفاء. ومع أنه كان لدى "اسرائيل" الكثير من الأسباب للمبادرة العملانية، إلا أنها بفعل القلق الكبير من الأثمان التي ستدفعها جراء أي مواجهة عسكرية، كان صانع القرار السياسي والأمني يتراجع. وفي ضوء ذلك كانت رسائل التهويل تتحول الى محطات انتصار إضافية تتعزز في ظلها قوة ردع المقاومة، ويصبح معها العدو أكثر انكشافاً.
في هذا المجال، يحاول العدو التضليل عندما يتغنى بالهدوء مع لبنان، خاصة وأنه لم يكن يريد هذا الهدوء الذي شكل مظلة للمقاومة كي تواصل مراكمة وتطوير قدراتها العسكرية والصاروخية. وانما كانت "تل ابيب" تسعى، في الحد الأدنى، الى نسخة مشابهة لما يجري في سوريا. وعلى مستوى الطموح، تهدف الى استغلال انشغال حزب الله بمواجهة الارهاب التكفيري، للانقضاض عليه، أو على تدمير قدراته الاستراتيجية، وإلا تقييده بما يمنح "اسرائيل" هامشاً واسعاً في الاعتداءات على المستويين المحلي والاقليمي.
في المقابل، كان الهدوء مطلباً للمقاومة بذاته. أولا لأن المقاومة لا تتبنى استراتيجية الحرب المفتوحة مع كيان العدو، بل لها استراتيجيتها الأخرى في الصراع مع العدو على أرض فلسطين. وثانياً، لأنه يوفر لها الفرصة المواتية لمواصلة بناء وتطوير قدراتها الدفاعية والردعية والهجومية ـ الردعية، وهذا ما حصل. وثالثاً، لأنه يشكل مطلباً للشعب اللبناني، ومدخلاً للبناء وحل الأزمات.
وبنظرة خاطفة الى الوراء يتبين أن هذه المطالب والأهداف تحققت بدرجات كبيرة جداً، ميزَّت لبنان عن كل محيطه العربي.. وما السلبيات التي يشهدها إلا نتيجة اداء الطبقة السياسية الحاكمة على المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
على ما تقدم، من الواضح أنه اذا كان لرئيس أركان جيش العدو أن يتحدث بموضوعية، ففي ظل تصديه لقيادة أركان الجيش، انتصرت سوريا، وعاد معها تهديد إعادة بناء الجيش السوري يلوح في الأفق من جديد. وانتصر حزب الله مع سوريا، وأزال خطراً وجودياً كان يهدده ويهدد شعوب المنطقة. وانتصر محور المقاومة في المعركة على مستوى المنطقة. وفشلت معه كل رهانات ومساعي "اسرائيل" لاستنزاف حزب الله، ولتقسيم سوريا.. ونجحت المقاومة في تطوير قدراتها العسكرية والصاروخية. وفي ظله أعلن الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله، عن اتمام مهمة امتلاك الصواريخ الدقيقة التي تقر "اسرائيل" بخطورة مفاعيلها على المعادلات الاقليمية وعلى العمق الاستراتيجي.. بما يفوق في مفاعيله عشرات آلاف الصواريخ.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024