معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

استحقاقات الحكومة: ما خربه دهر لا تصلحه عصا سحرية
18/02/2020

استحقاقات الحكومة: ما خربه دهر لا تصلحه عصا سحرية

محمد أ. الحسيني

نالت حكومة الرئيس حسان دياب الثقة من مجلس النواب لتضع مسار عجلة الإصلاحات الاقتصادية في لبنان على نار حامية. وعلى الرغم من أنها "لا تشبه فريقنا السياسي" بحسب تعبير رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد في مداخلته خلال جلسة التصويت على الثقة، "إلا أنه لتسهيل مهمة التأليف ارتضينا ‏بها، ونحن واثقون أن هناك مساحة من الرؤى القابلة للتفاهم، بين مكوّناتها، يمكن أن تتوسّع لاحقاً، وفقاً لجهودنا ‏وتعاوننا جميعاً".

الحكومة تحت المراقبة

غنيّ عن القول إن حكومة دياب هي الأولى التي تمنحها الكتلة ثقتها منذ اتفاق الطائف مما يعطي مؤشرين، الأول: إصرار حزب الله على ضرورة صياغة نهج حكومي جديد وجادّ في مكافحة الفساد بكافة مجالاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وعدم الاستمرار في تعطيل الحياة الدستورية في البلد وإخراجه من حالة الفراغ التي نشأت عقب الاستقالة الملتبسة للرئيس سعد الحريري على وقع الحراك المطلبي في الشارع، والثاني: التأكيد لمن يعنيه الأمر أن حزب الله، بموقفه الاستثنائي هذا، سيقوم بدوره في مراقبة أعمال الحكومة، ومدى التزامها بالبرامج التي أعلنها رئيس الحكومة في سياق المعالجة الجذرية للأزمة العميقة التي تمر بها البلاد على الصعد كافة.

لاجتراح الحلول السريعة

وقدّم حزب الله ولا يزال يقدّم الكثير من التنازلات والتسهيلات لدعم الحكومة اللبنانية، منطلقاً من الحاجة الضرورية للملمة شتات هذا النظام الذي بات يقترب من حافة الانهيار الاقتصادي مما يمهّد لحالة سقوط اجتماعي - أمني تمظهر في بعض صوره بانفلات الشارع باتجاه التخريب، وفي تحوّل بعض شرائح الحراك الشعبي المطلبي إلى ما يشبه المجموعات التخريبية التي لا تملك أجندة واضحة لمطالبها سوى ترديد عناوين استهلاكية لا تمتّ إلى المطالب الشعبية الحقيقية بصلة، ومن هنا فإن الحكومة الجديدة معنيّة في أن تأخذ هذا الواقع بعين الاعتبار، بحيث تبادر إلى اجتراح الحلول السريعة للملفات التي يمكن إنجازها بأقل التكاليف السياسية والمالية الممكنة لقطع الطريق أمام المزيد من التخريب من قبل أطراف الداخل والخارج على حد سواء.

لا عصا سحرية

ومن البديهي ألا يتوهّم أحد أن الحلّ جاهز وسيتم بـ "كبسة زر"، فليس هناك عصا سحرية تؤمن معالجة واقع الفساد المستفحل، والذي بات يشكّل سمة الكيان اللبناني بمؤسساته وأنظمته وبنيته الأصلية المتجذّرة منذ تشكيل هذا الكيان، وحتى ما بعد الجمهورية الجديدة التي أفرزها اتفاق الطائف مطلع تسعينيات القرن الماضي، فقد كان الهدف حينذاك إنهاء حالة الحرب في لبنان وإرساء ستاتيكو سياسي - أمني ذي طابع متوازن، ولكنه لم يرقَ إلى إنتاج صيغة متكاملة لهذا الكيان الذي بقي على حالة الاهتراء الداخلي، مما أمّن لأصحاب رؤوس الأموال والمؤسسات الكبرى الفرصة للتحكّم بمجريات الأمور، ليس فقط على الصعيد الاقتصادي بل على الصعيد السياسي أيضاً، والإمساك بخيوط اللعبة على مستوى اتخاذ القرار الوطني وجعله ضعيفاً ومكشوفاً أمام الإرادات الخارجية.

الأساس تحقيق الإصلاحات

ومن هنا، توضح مصادر متابعة، أن الملف الأول العاجل في مهلة المئة يوم، الذي وضعته الحكومة على نار حامية هو استحقاق سندات "اليوروبوند"، حيث يترتّب على لبنان دفع مليار و200 مليون دولار في 9 آذار المقبل، ما استدعى استنفاراً عاجلاً شارك فيه كل مستويات الدولة بدءاً من الرؤساء الثلاثة والوزراء المعنيين وصولاً إلى المؤسسات المالية المعنية ولا سيما المصارف، ولن تكون المؤسسات الدولية بمنأى عن المشاركة في هذه المعالجات، من قبيل تقديم المساعدة التقنية بهدف جدولة الديون من جهة، وإعطاء الثقة لمجموعة الدعم الدولية من جهة ثانية عبر المباشرة بتحقيق الإصلاحات المطلوبة والشفّافة.

حكومة إنتاج وليس استهلاك

ثمة من يركن إلى سوداوية المشهد، باعتبار أن لبنان لم يشهد مثل هذا الوضع الشامل في تردّيه، ويعتبر أن مهمة الحكومة لن تكون سهلة أبداً، وتحتاج إلى الكثير من العمل والقليل من إطلاق المواقف والوعود، وأنها أمام تحدٍّ جدّي يفرض عليها اتخاذ خطوات حاسمة وحازمة في مجالين، الأول: تنفيذ الإصلاحات على مستوى الأنظمة الضريبية والمالية وغيرها من القطاعات المنتجة، والثاني: الضرب بيد من حديد في إطار مكافحة الفساد ومحاربة المفسدين، عبر المبادرة إلى استعادة الأموال المنهوبة وسوق السارقين بكبارهم وصغارهم إلى المحاكمة، والقاعدة الحاكمة في هذه المرحلة أعلنها الرئيس العماد ميشال عون خلال لقائه السلك الدبلوماسي بالقول إن: "كل مَن مَدّ يده الى الخزينة سيُحاكم"، وهذا يؤشر إلى جدّية المسار في المعالجات المطلوبة، وعليه فإن لبنان الذي يتطلّع إلى مرحلة جديدة من النمو عبر استثمار موارده الطبيعة من الطاقة ليس مفلساً بل منهوب، ما يفرض على الدولة بكافة أجهزتها أن تكون على قدر المسؤولية في استنهاض البلد وعدم السماح بإسقاطه أمام المتربّصين به من الأطراف الداخلية والخارجية، وأن تثبت الحكومة أنها ليست حكومة إدارة الأزمة، بل هي حكومة مكافحة الفساد وحكومة الإصلاح والبناء والإنماء، وحكومة الإنتاج والاستقلال الاقتصادي وليس حكومة الاستهلاك والارتهان للمساعدات الخارجية.

حسان دياب

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات