معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

انتخابات الكنيست: استمرار الكباش السياسي بوسائل أخرى
07/03/2020

انتخابات الكنيست: استمرار الكباش السياسي بوسائل أخرى

جهاد حيدر
لا تعني مواكبة الانتخابات الاسرائيلية ومجرياتها ومفاعيلها، سوى أنها جزء من متابعة شؤون كيان العدو، في بعده الداخلي الذي يشكل أحد المجالات التي تحظى باهتمام كل من يعادي هذا الكيان، أو حتى يدعمه، لكن كلٌّ من منطلقه وأهدافه. وتأتي هذه المواكبة امتدادا لمواكبة سياساته الخارجية وخططه العداونية، ولما يشكله من تهديد محدق بشعوب المنطقة ودولها.

تستحضر انتخابات الكنيست في كيان العدو، أكثر من قضية تتعلق بطبيعة النظام السياسي والقانون الانتخابي، والتركيبة المجتمعية اضافة الى العقيدة الصهيونية التي تحكم الكيان واداءه. كما أظهرت هذه الانتخابات أنها تحظى باهتمام أكثر من جهة اقليمية ودولية، وتحديدا الولايات المتحدة التي هب رئيسها دونالد ترامب لنجدة نتنياهو فاختار توقيتاً مثالياً لاعلان صفقة القرن، وهو ما ساهم في أن تتصدر الانتخابات بدلا من أن يكون ذلك محصوراً بفساد نتنياهو وأهليته لتولي رئاسة الحكومة.

إن كون "اسرائيل" تعتمد النظام الديمقراطي تتداول في ظله نخبها السياسية السلطة، وتدير وفق قواعده صراعاتها حول صورة المجتمع والدولة، لا يغير من حقيقة أنها كيان استعماري استبدالي عمد الى طرد شعب من وطنه، وأقام عليه كيانه الغاصب. ويؤدي هذا الكيان دوراً وظيفياً لصالح الهيمنة الاميركية والغربية، وهو منشأ وهدف الدعم الغربي لهذا الكيان، في الماضي والحاضر والمستقبل. ولا علاقة لدعم الغرب والولايات المتحدة لهذا الكيان، بطبيعة نظامه، ولا للطابع الديمقراطي الذي يتسم به، كما تروج الدعاية الاسرائيلية، والدليل على ذلك، أنهم يدعمون في الوقت نفسه، أكثر الانظمة ديكتاتورية وظلما وقهراً لشعوبهم.

مع ذلك، ما ينبغي التأكيد عليه أن "اسرائيل" التي تعرِّف نفسها بأنها دولة يهودية ديمقراطية، هي في الواقع، ديمقراطية بالنسبة لليهود وبينهم، وهي ديمقراطية من حيث تداولهم على السلطة مع وجود مساحة واسعة من الشفافية، ومحاربة الفساد واخضاع الفاسدين (المحتلين) للقانون مهما علت مراتبهم. ولكنها ايضا كيان يقونن عنصريته، في مواجهة السكان الفلسطينيين الاصليين. وهي بذلك تعتمد نظاما ديمقراطيا وعنصريا، فهي كيان ديمقراطي واستعماري واستبدالي، ديمقراطي وقائم على العدوان المتواصل بأشكال مختلفة ضد شعب فلسطين وشعوب المنطقة، وكجزء من أدوات الولايات المتحدة لتكريس هيمنتها على المنطقة.

ما تقدم هو الفضاء الذي جرت في ظله انتخابات الكنيست "الديمقراطية". وفيما يلي أبرز ما انطوت عليه نتائجها:

الميزة الأبرز لنتائج الانتخابات هو أن التنافس كان ولا يزال محصوراً داخل معسكر اليمين. والتجاذبات التي تشهدها الساحة السياسية الاسرائيلية هي في الواقع تجاذب بين أحزاب اليمين. وليست هذه النتيجة حالة طارئة بفعل مستجدات سياسية عابرة، وانما انعكاس لواقع ديمغرافي ثابت. ولا يتوقع في ضوء ذلك، أن يتنحى اليمين عن قيادة اسرائيل خلال المدى المنظور.

في نفس السياق، ليس أمراً عابراً أن ينحصر التنافس على رئاسة الوزراء بين نتنياهو المدعوم بلا حدود من اليمين الاستيطاني، وبين رئيس "أزرق ابيض" بني غانتس، الذي لم يخفِ يمينيته لا في الموقف من صفقة القرن، ولا من ضم غور الاردن، ولا من ضم الجولان، ولا من القدس الشرقية... وهي ظاهرة (التنافس داخل معسكر اليمين) ستبقى ملازمة لاسرائيل، ويعود ذلك الى كون الاغلبية الساحقة من المجتمع الاسرائيلي تنتمي الى هذا المعسكر الذي تحولت الانتخابات فيه من الناحية العملية الى تنافس بين تياراته الدينية والسياسية.

بالموازاة، إن مقولة خسارة اليسار الاسرائيلي في انتخابات الكنيست، قاصرة في التعبير عن وصف ما جرى. لأن النتائج أظهرت انهيارا حقيقيا لهذا المعسكر. ومن أبرز تجليات هذه الحقيقة، أن ما تبقى من هذا المعسكر (ميرتس) اضطر للتحالف مع حزب العمل، وحزب غشر اليميني كي يضمن دخوله الى الكنيست. ولم ينل الجميع سوى 7 مقاعد.

لم تختلف نتائج الجولة الثالثة من الانتخابات خلال أقل من عام، لجهة معسكر نتنياهو، عن النتائج التي قدرتها استطلاعات الرأي الاخيرة. وعكست هذه النتائج مستوى من التقدم نجح نتنياهو في تحقيقه، بالقياس الى نتائج الانتخابات السابقة على مستويين. فقد ارتفعت مقاعد حزب الليكود، من 32 الى 36 مقعداً، وارتفعت مقاعد المعسكر الحليف لنتنياهو، ايضا، من 55 مقعدا الى 58 مقعداً. في المقابل نال معسكر غانتس (33 مقعدا) وتحالف العمل غشر وميرتس، (7 مقاعد)  ليكون المجموع 40 مقعدا. ونال "اسرائيل بيتنا" (7 مقاعد)، اضافة الى القائمة العربية المشتركة 15 مقعداً.

لا تقتصر أبعاد هذا التقدم على المقاعد الاربعة التي حققها حزب الليكود، ولا على المقاعد الثلاثة التي حققها معسكر نتنياهو، وانما ينبع هذا التقدم ايضا، من كونه أتى بعد تقديم لوائح اتهام رسمية بحقه، وتحديد موعد محاكمته. وبدلا من أن ينعكس ذلك سلباً على شعبيته، تبين بفعل الحملة الدعائية التي شنها عشية الانتخابات، أنه ليس فقط حافظ على مكانته الشعبية بل حقق قفزة الى الامام ايضا.

مع ذلك، لم يحقق نتنياهو ما كان يطمح اليه، لعدم نيل معسكره اغلبية 61 عضو كنيست. وكان يسعى لهذه النتيجة بهدف التحرر من القيود التي قد يفرضها عليه منافسوه في الاحزاب والمعسكرات الاخرى. وانما جل ما حققه هو اعادة انتاج نفس موازين القوى، تقريباً في الكنيست، الامر الذي أعاد وكرس القيود نفسها التي كانت قائمة فيما يتعلق بتشكيل الحكومة مع اضافة أنه سيقوم بمهامه الرسمية، في الوقت الذي أصبح فيه متهماً رسمياً، ويخضع للمحاكمة.

تجدر الاشارة الى أن الخلاف الحقيقي الذي تسبب بهذه الازمة، لا علاقة له ـ بشكل رئيسي - بالتوجهات الاقليمية، ولا بالخيارات العملانية في مواجهة تهديد محور المقاومة، وانما يتمحور حول ما إن كان يحق لرئيس وزراء فاسد تولي رئاسة الحكومة.

الخلاصة التي انتهت اليها مرحلة الانتخابات أنه بدأت في أعقابها مرحلة جديدة من الكباش السياسي، تتمحور بشكل رئيسي حول هوية رئيس الحكومة، وايضا حول تأمين أغلبية 61 عضو كنيست، لكن هذه المرة ليس عبر صندوق الاقتراع، وانما بوسائل أخرى. وهي مرحلة تختلف في تكتيكاتها واساليبها، لكنها تضع "اسرائيل" مجدداً في الدوامة ذاتها، يراهن فيها كل طرف من الاطراف على تراجع خصمه وعلى فرض شروطه. وهو ما سنشهد معالمه في الايام والاسابيع المقبلة.

حزب العمل

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

خبر عاجل