معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

اتفاق موسكو 2020 على المحك
16/03/2020

اتفاق موسكو 2020 على المحك

عبير بسّام

لم يمر على اتفاق موسكو في الخامس من آذار/ مارس، أكثر من أربع وعشرين ساعة حتى سجل المسلحون في إدلب أكثر من 14 خرقاً. والملفت أن الجيش التركي وحده سجل 25 خرقاً، واستهدف بالقذائف قريتي حزارين والدارة الكبيرة في ريف ادلب الجنوبي. وعلى وقع الخروقات أعطت روسيا وقتاً إضافياً لأنقرة لمعالجة الأمر وضبط مسلحيها في إدلب. ولكن يبدو أن هناك من يعمل على تأجيج ساحة إدلب مرة أخرى أو بالأحرى تعطيل تطبيق اتفاق موسكو 2020، وتجلى ذلك في تجمع المحتجين، الذين حملوا أعلام ما يسمى بـ"المعارضة السورية"، التي خرجت البارحة معترضة مرور الدوريات الروسية - التركية المشتركة في 15 آذار/ مارس، والتي يبدو وبحسب التصريحات، أنها كانت استفزازاً وبرعاية أبو محمد الجولاني شخصياً.

منذ إعلان اتفاق موسكو تباينت وجهات النظر الدولية حول النتائج التي آلت إليها انتصارات الجيش العربي السوري وحلفائه في ريفي ادلب الشرقي والغربي، وخاصة عند نقاش الاتفاق وحوله ليظهر وكأنه خلاف روسي - تركي. جاء الاتفاق لمصلحة الدولة السورية والتي أعطاها الحق بالتدخل في أية نقطة مسلحة بغير سلاح الدولة. الأمر الذي لم يرق لهذه الدول مجتمعة والتي هربت بتصريحاتها إما باتجاه حماية السكان من "العنف المتبادل" أو باتجاه إدخال المعونات للسكان المتضررين بسبب "تفاقم النزاعات".

توالت مخالفات الاتفاق، التي ارتكبها المسلحون في إدلب والتي تعلن عن بدء إعادة التصعيد، وبحسب ما كتبه ألكسندر شاركوفسكي، في صحيفة نيزافيسمايا غازيتا، في 10 آذار/ مارس، عن ضعف الثقة في الحل السلمي في إدلب، والتي تسود لدى جميع الأطراف وأن هناك استعداداً للمعركة القادمة. جاء ذلك على موقع نداء سوريا، ويعتبر المقال أن إذعان تركيا اليوم سببه أنها عاجزة بمفردها عن مواجهة كل من موسكو وإيران، وأنها تستند في قوة تصريحاتها إلى حلف الناتو، الذي لم يقبل بدخول الحرب إلى جانبها، وأن أنقرة واثقة من أن الجماعات المسلحة، والتي لا يمكنها الاعتماد عليها، سوف تواجه مصيرها على يد "قوات الأسد" عاجلاً أم آجلاً. وفي الوقت نفسه، تراقب أنقرة السفن الروسية وهي تنقل الأسلحة والذخيرة إلى ميناء طرطوس السوري عبر مضيق البوسفور.

هذا التوصيف الدقيق للوضعية الحالية في منطقة ريف إدلب الغربي والمحاذي لطريق الـ M4، يضعه مصدر للعهد في خانة "وضعية الترقب"، التي دخلها الجيش السوري منذ يومين تقريباً، والذي قال: "يبدو أن التركي على وشك الابتعاد بقواته إلى ما وراء خط M4". وأما التحركات التي جاءت البارحة في 15 آذار/مارس، فهي تتزامن مع ما تسميه "الثورة" بيوم عيدها. جاء التحرك كمحاولة من أجل إفشال الانتصار الذي حققته روسيا في اتفاق موسكو 2020. الأمر اذاً برمته يعد محاولة للتقليل من إنجاز موسكو في مرحلة ما قبل الخامس من آذار، مارس، والذي رأى فيه عدد من المواقع الغربية مثل فرانس 24 والـ"بي بي سي" و"الجزيرة" وغيرها: أنها مواجهة ما بين روسيا وتركيا لأن تركيا لم تقم بسحب سلاح "المعارضة" بحسب اتفاق سوتشي.

قمة صعبة تلك التي سار باتجاهها أردوغان في موسكو. وقد حاول خلال الأيام الماضية التملص منها من خلال التصريحات التي أطلقها حول اتفاق مع بوتين حول إدارة آبار النفط في سوريا في الحادي عشر من هذا  الشهر والذي لم يلق آذاناً صاغية لدى كلّ من دمشق وموسكو من خلال عدم الرد عليه. فضح التصريح أطماع أردوغان حول المشاركة في إعمار سوريا والمساهمة في عودة اللاجئين إليها. وهي قمة أخرجت تركيا خالية الوفاض، والتي ابتدأت مؤخراً بسحب أسلحتها الثقيلة، وجزء كبير من قواتها، وأخرجت معها، في حاملات الجند الفارغة التي دخلت ريف إدلب منذ أسبوع تقريباً. وقد كشف مصدر العهد أنها خرجت حاملة "قوات درع الفرات، التي توجهت بها للقتال في ليبيا، وأما الباقي فقد ترك لمصيره"، وفي مقدمتهم هيئة تحرير الشام ومقاتلو تركستان.
 
الدور الأميركي في الهجوم الأخير الذي شنته تركيا على القوات السورية، كان واضحاً، والذي راح ضحيته عدد كبير من الخسائر في صفوف القيادات العسكرية السورية وحلفائها. وأمريكا التي تخشى من أن يمكّن اتفاق موسكو الجيش السوري من تركيز جهودها على تحرير شرق الفرات، والذي أعلن عنه الرئيس السوري بشكل صريح خلال لقائه المتلفز مع قناة روسيا 24. وفي خطوة متقدمة قامت أمريكا بتعطيل الاعتراف باتفاق موسكو في مجلس الأمن.

 وبحسب مصدر في الجيش السوري لموقع "العهد" الاخباري "سنعود إلى قاعدة أن شرق الفرات قبل إدلب" وفي نهاية الأمر وفي حسابات الربح والخسارة التي تحدث عنها البعض، فإن من ربح هم: حلب باستعادة أمنها لتعاود دورها في بناء الاقتصاد السوري، والدولة السورية من خلال استعادة شريانين حيويين يربطان شمالها بغربها وجنوبها. وربح بحسب المصدر "الجيش العربي السوري الذي بات حرّاً في تحديد قواعد الاشتباك في إدلب، وأن اتفاق موسكو قد أراح الجيش السوري". مما يعني أن المعركة نحو إتمام تحرير جسر الشغور قد بات مفتوحاً. ويبدو أن اتفاق وقف إطلاق النار بات لاغياً مع العناصر المسلحة، في حين أن تركيا ستحيد جنودها نهائياً في إدلب.

موسكو

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات