آراء وتحليلات
بمعزل عن المؤامرة: هل تخدم كورونا أهداف ترامب؟
إيهاب شوقي
منذ أمد بعيد يتم فرض نظريات للسياسة الدولية على يد كارتلات اقتصادية ومالية كبرى تسوّق لنظرية عالمية باعتبارها هي الخلاص للعالم والقائد للإنسانية نحو التطور والرفاه، وذلك كواجهة لمصالح هذه الكارتلات الكبرى وهيمنتها على الاقتصاد الدولي.
والكارتل في أبسط تعريفاته، هو اتحاد أو عصبة للاحتكاريين يحكمه اتفاق بتقسيم المنافع ومجالات العمل ومواقعها وتقسيم أرباحها.
وامريكا منذ بروزها كقطب عالمي، هي واجهة لهذه الكارتلات، وهي من روّجت للعولمة وفرضتها اعتمادًا على تفوق الصناعة الأمريكية وانتشارها دوليًا من جهة، ومن جهة أخرى، سياسات الهجرة الهادفة إلى سد عجزها من العقول والكفاءات لتحريك البحث العلمي ودفع الصناعة الامريكية.
وقد تغيرت الاوضاع والتوازنات بصعود قوى أخرى على رأسها الصين، ولم تعد الصناعات الصينية منحصرة في انتشار علاماتها التجارية بالأسواق العالمية فقط، ولكن اتجهت ايضًا إلى الانتقال برؤوس أموالها وفروعها للبلدان الأخرى للاستفادة من مزايا التكلفة المنخفضة فيها وكذلك لاستقطاب العقول، اضافة الى الدول الواعدة سوقيًا لفتح مراكز البيع والعمل بالقرب من الزبائن توفيرًا لنفقات الشحن والتصدير.
هذه المستجدات تعني باختصار استفادة الصين من العولمة، وتراجع أمريكا بفعل سياسات وقوانين العولمة، وهو بمثابة انقلاب للسحر على الساحر!
ومع انتشار فيروس كورونا وتداعيات تحوله لوباء عالمي ثم جائحة، فإن العولمة هي أكبر ضحايا هذا الفيروس، وهو ما يطرح هنا عدة أسئلة دون تبني مواقف مسبقة تنبثق منها الاجابات. هل ترامب مناهض للعولمة؟ وهل كورونا وجهت ضربة قاصمة للعولمة؟
قبل الاجابة المختصرة عن التساؤلات، لا بد من توضيح ان وجود دلائل قاطعة على شن حرب بيولوجية لا يمكن توفره حاليا، وقد يتطلب الامر عقودا لتوفير دلائل قانونية، ولكننا بصدد طرح قرائن وشبهات منطقية، وهي قرائن مستندة أيضًا على تصريحات وتحليلات جهات علمية وسياسية مرموقة لها ثقلها في الصين وايران وروسيا ودول اخرى.
وهنا نحاول بايجاز الاجابة عن التساؤلات:
اولا: بخصوص سياسة ترامب، فإن المحللين الاقتصاديين يجمعون على أن جل ما يريده ترامب هو خلق الوظائف للأمريكيين، ولذلك فهو يحاول أن يضعف قدرة المشاريع المحلية على سد احتياجها من المواهب الدولية بتعقيد سياسات الهجرة ويحاول منعها من ترحيل رؤوس أموالها وفتح فروعها بالبلدان الأخرى، ويتوعدها برفع الضرائب والرسوم الجمركية على وارداتها إذا لم تستجب، ويحفزها برفع الرسوم الجمركية على واردات الصين والمكسيك اعتقادًا منه بأن ذلك سيعيد للمشاريع المحلية القوة التنافسية.
وترامب أعلن بنفسه مناهضته للعولمة أكثر من مرة، ففي 2018، وفي خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، صرح علناً أن نهجه في السياسة الخارجية هو مواجهة العولمة والتمسك بالوطنية الأميركية بما تقتضيه من أولويات وخيارات قومية تراعي مصالح بلده وأمته قبل أية التزامات خارجية تفرضها الشراكة الدولية.
وفي 2019، دعا ترامب دول العالم إلى أن تحذو حذو بلاده وأن "تفخر بتاريخها وإرثها الخاص".
وقالت صحيفة "واشنطن بوست" إن سياسات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، وانحسار فكرة العولمة بات أمراً واضحاً خلال السنوات الأخيرة، مشيرة فى تقرير للكاتب الأمريكي فريد زكريا، إلى أن خطاب ترامب فى منتدى دافوس الاقتصادي العالمي وما مر به من هدوء يعكس أن "الترامبية" صارت أمرا معتادًا لدي الجميع.
ثانيا: وبخصوص كورونا والعولمة، فقد لخص ستيفن م. والت، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفارد واقع الحال بالقول ان حالة الطوارئ الحالية تذكرنا بأن الدول لا تزال الجهات الفاعلة الرئيسية في السياسة العالمية. وقد اعتقد العلماء والنقاد أن الدول ستصبح أقل أهمية في الشؤون العالمية وأن الجهات الفاعلة أو القوى الاجتماعية الأخرى (المنظمات غير الحكومية والشركات المتعددة الجنسيات والإرهابيين الدوليين والأسواق العالمية، وما إلى ذلك) ستقوّض السيادة وتدفع الدولة نحو مزبلة التاريخ. ومع ذلك، عندما تظهر مخاطر جديدة، ينظر البشر أولاً وقبل كل شيء إلى الحكومات الوطنية للحماية.
هذا لا يعني أن الجهود العالمية الأوسع ليست ضرورية أيضًا؛ لكن ببساطة لتذكيرنا بأنه على الرغم من العولمة، لا تزال الدول هي الأطراف السياسية المركزية في العالم المعاصر، و إذا لم يهدأ الوباء بسرعة (مثلما حدث مع وباء سارز عام 2003)، فسوف يعزز الاتجاه المتزايد نحو إزالة العولمة.
وبخصوص الوضع الراهن بعد تداعيات انتشار المرض، فإن الصين لا تزال تتمتع بمزايا إنتاجية عدّة، مثل حجم الإنتاج والخدمات اللوجستية الفعالة، ولكن الأزمة التي ولّدها الفيروس، يمكن أن تصبح نقطة تحول تدفع عدداً كبيراً من الشركات الأميركية والأوروبية إلى تأسيس وتشكيل سلاسل توريد خاصة بها، بل والبدء بالاستثمار في أنماط إنتاجية أكثر مرونة وأكثر محلية، وفقا للاندبندنت.
وقال تقرير "الاندبندنت"، إنه ليس هناك شك في أنّ أزمة هذا الوباء، ستصبّ في صالح أنصار السياسات القومية الوطنية، الذين يرغبون في الإسراع بفرض ضوابط لحماية الصناعات الوطنية وتقليص معدلات الهجرة الخارجية باعتبار الأجانب خطراً.
بالتأكيد لسنا من أنصار العولمة، بل قد نشترك في مناهضتها، ولكن لصالح اقتصاد عربي واسلامي قوي خارج عن الهيمنة الاستعمارية وقوامه الانتاج والتعاون، بينما ترامب يناهض العولمة لصالح هيمنة من نوع آخر بديل ولا توجد أي جريمة مستبعدة على سياساته وممارساته حتى وإن تضررت منها قطاعات من شعبه.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024