آراء وتحليلات
العراق .. صور مأساوية لـ17 عاما من الغزو والاحتلال
بغداد:عادل الجبوري
في العشرين من شهر آذار من عام 2003، انطلق الغزو الأميركي للعراق تحت مظلة ما يسمى "التحالف الدولي" الذي تشكل من قوى دولية واقليمية وتحت اشراف وقيادة الولايات المتحدة الاميركية. وقد كان الهدف المعلن للغزو هو اسقاط نظام صدام حسين بزعم امتلاكه لاسلحة الدمار الشامل وحجج انتهاكاته لحقوق الانسان وشنه الحروب العدوانية على جيرانه، وبالتالي تهديده للسلم والامن الدوليين، وكل ذلك كان صحيحا بالكامل، لكنه لم يكن بالامر الجديد الذي اكتشفته اميركا ومعها المجتمع الدولي بين ليلة وضحاها.
فنظام حزب البعث المنحل الذي اعتلى عرش السلطة في العراق عام 1968 بقطار انكلو-اميركي كما قال احد قادته حينذاك، اوجدته وصنعته ومكنته القوى الغربية ومعها حكومات وانظمة عربية، وهي التي دفعته الى شن الحرب على ايران في عام 1980، أي بعد انتصار الثورة الاسلامية في ايران بحوالي عام ونصف العام، ومن ثم غزو دولة الكويت في صيف عام 1990، وبعدها قمع الانتفاضة الشعبية في عام 1991، التي كان بإمكانها الاطاحة به في ذلك الوقت، بيد ان الحسابات والمصالح السياسية البعيدة عن كل القيم والمباديء هي التي ابقته ليواصل جرائمه ضد الشعب العراقي. ومعروف للكثيرين أن نظام صدام الذي خرج منهزما ومنكسرا ومنهارا من الكويت، ما كان بإمكانه قمع الانتفاضة وافشالها لولا الغطاء الجوي الذي وفرته واشنطن له بطلب والحاح من المملكة العربية السعودية.
واذا كانت الولايات المتحدة الاميركية قد أسقطت نظام صدام، بعدما شعرت أنه لم يعد عنصرا مفيدا لها، وبعد أن أدركت أن المعارضة العراقية باتت على وشك اسقاطه، فإنها فتحت حقبة جديدة في تاريخ العراق، حفلت بالكثير من الاجرام الاميركي الذي لم يختلف كثيرا عن الاجرامي الصدامي، ولعل الأعداد الهائلة من الضحايا والدمار الهائل الذي لحق بالبنى التحتية والمنشآت الحيوية، وظهور الارهاب التكفيري، واستفحال الفتن الطائفية، كلها تمثل مؤشرات ودلائل على ما خلفه الغزو والاحتلال الاميركي للعراق من مآسٍ وكوارث وويلات لن تنمحي اثارها الا بعد وقت طويل.
ولا يوجد رقم متفق عليه حول عدد الضحايا العراقيين منذ الغزو الأميركي، غير أن إحصائيات صادرة عن مؤسسات بريطانية تؤكد أن عدد الضحايا العراقيين تجاوز المليون شخص، وأن العراق فقد حوالي 3% من نسبة سكانه منذ الغزو الأميركي.
وفي استطلاع أجرته منظمة (ORB) الصحفية العالمية التي تتخذ من واشنطن مقرا لها، تبين أن حصيلة الضحايا العراقيين منذ ربيع عام 2003 وحتى ما قبل عام من الان، بلغت مليونا و 33 ألف، في حين اشارت دراسة انجزتها جامعة جونز هوبكنز الاميركية الى ان عدد ضحايا الاحتلال الاميركي للعراق تجاوز الستمائة الف شخص.
وسواء كان الضحايا قد سقطوا بسلاح الجنود الاميركيين، أو جراء العمليات الارهابية للتنظيمات الارهابية التكفيرية، أو بسبب الصراعات الداخلية بين قوى واطراف مختلفة، فإن ذلك كان محصلة ونتيجة منطقية ومتوقعة للاحتلال.
واذا تحدثنا عن الخسائر المادية الهائلة والدمار الخراب الذي لحق بالبنى التحية والمنشآت الحيوية، والفساد المالي الكبير، فإننا سنكون في قبال ارقام مرعبة للغاية على كل الصعد والمستويات، مع صعوبة التوصل الى ارقام دقيقة جدا لمقدار الخسائر.
الى جانب ذلك فإن واشنطن أسست لمعادلات سياسية قلقة في العراق، ارتكزت على معايير طائفية وقومية ومذهبية، ساهمت في ايجاد مناخات سياسية متأزمة ومتشنجة على الدوام، سادتها الصراعات الحادة على مواقع السلطة والهيمنة والنفوذ، أريد لها أن تكون بشكل أو بآخر بمثابة أرضيات لتمرير أجندات ومشاريع التفتيت والتقسيم، وفق ما طرحه نائب الرئيس الاميركي الاسبق والمرشح الحالي لانتخابات الرئاسة الاميركية جو بايدن، وكذلك ما تناولته ونظرت له العديد من مراكز الابحاث والدراسات الاستراتيجية الاميركية طيلة الاعوام التي اعقبت الاطاحة بنظام صدام، وحتى ما قبل ذلك.
ولعل اجندات ومشاريع تقسيم العراق لا تخرج عن سياق المخططات التي تستهدف اعادة رسم خرائط المنطقة بما يضمن أمن الكيان الصهيوني ويحافظ على المصالح الاستراتيجية الاميركية، وكذلك يطوق ويحاصر جبهة المقاومة عبر محاصرة ايران وتضييق الخناق السياسي والاقتصادي والامني عليها، لصالح تعزيز قوة ومكانة حلفاء واشنطن واتباعها، ومن تلك المخططات، الشرق الاوسط الكبير، وصفقة القرن.
ومن هنا يمكن أن نفهم سر الاصرار الاميركي على عدم مغادرة العراق والمنطقة، وربما يتذكر الكثيرون، وصف الرئيس الاميركي دونالد ترامب قبل عدة شهور لقاعدة عين الاسد العسكرية غرب الانبار بأنها قاعدة رائعة تتيح للولايات المتحدة الاميركية مراقبة تحركات ايران.
وفي واقع الامر، إن ما ارتكبته الولايات المتحدة الاميركية من أخطاء وما اقترفته من جرائم في العراق على مدى سبعة عشر عاما، خلف صورا مأساوية واثارا كارثية ماثلة وشاخصة أمام العراقيين من شمال البلاد الى جنوبها، ومن شرقها حتى غربها.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024