آراء وتحليلات
حرب على الطريقة الأميركية.. السعودية ضحية ترامب الجديدة
أحمد فؤاد
بائعو الوهم، أساتذة التسويق ثم الاستثمار في الطمع، أحفاد "شيلوك" التاجر اليهودي الجشع، كل هذا وأكثر يرتبط وينطبق على أميركي القرن العشرين والحادي والعشرين، لا يهب أي شيء مجانًا، وكل منحه مرتبطة بمصالحه، وربما أكثر.. دروس التاريخ القريب والبعيد لا تقول بأميركا طيبة. الحُسن الأميركي ليس موجودًا الا في وجهة نظر الإعلام المدفوع بأموال العرب ورؤى صناديق الثروة الخليجية.
لا شيطان في العالم أخبث من الأميركي، ولا عدو أخطر على كل حر في هذه الأرض قبله. يستدعي دونالد ترامب، الرئيس الأميركي المأزوم، إلى عقله دور السمسار، كلما ألمت به نازلة، وهو في أزمة فيروس "كورونا" خطط لضرب جميع أعدائه، باستغلال الظرف المستجد -وربما يكشف المستقبل أنه مصنوع أيضًا- وقاد حربا إعلامية ضد الصين، وكان دائم التركيز على "الفيروس الصيني"، حتى تسلل المرض من خلفه، لتتعافى الصين وتقدم لدول العالم الدليل والنموذج، بجانب المساعدات الطبية العاجلة، وتصدم أميركا أنباء احتلالها قمة دول العالم في أعداد المصابين، بلا أمل في تراجع الارقام رغم الطوارئ المعلنة والشلل الاقتصادي شبه الكامل.
الحرب الأخرى خطط لها ترامب، على مهل، وبالتأكيد منذ شهور طويلة، حرب اقتصادية ضد روسيا التي خرجت لدور كبير في الشرق الأوسط، ووجدها فجأة كالطود في وجه مخططات تفتيت وبعثرة المنطقة، وباتت تقف على مرمى حجر من قلب الشرق الأوسط، وتقدم للشعوب، جوار حلفائها، بديلًا أقرب للمزاج العربي العام، موحيًا بالأمل في الخلاص من هيمنة راعي البقر، وفاتحًا ذراعيه للمزيد من التواقين للخروج من الاستعباد المذلّ لواشنطن.
بيد محلية، كما فعلت على الدوام أميركا، قرر ترامب أن الوقت حان لحرمان روسيا من دخل مهم في موازنتها، بجوار تضرر الحليفة القادرة الغنية "الصين"، فدفع محمد بن سلمان لإشعال حرب أسعار جديدة، هي الثانية خلال العقد الأخير، لتصدير العجز إلى الموازنة الروسية، وإجبار بوتين على إعادة ترتيب أولوياته في المنطقة، بالوصول لحل مع الشيطان الأميركي، وفي النهاية لن تخسر واشنطن دولارًا واحدًا، فيما ستستنزف حرب البترول الجديدة مصادر دخل السعودية وروسيا سواء بسواء.
حرب على الطريقة الأميركية المفضلة، كل المكاسب ستذهب إلى ترمب، بلا تورط أو خسائر، فقط أرباح. وبالعودة للدولة الخاسرة، الضحية على مذبح واشنطن وأوامرها، مملكة آل سعود، التي تخوض حربًا بالوكالة، مثلما قالها بالضبط ابن سلمان بلسانه: "دخلنا الحرب الأميركية في الستينات ضد عبد الناصر والقومية العربية، ثم الحرب ضد إيران والثورة الإسلامية، إلى جانب الولايات المتحدة"، وهذه الحرب الأخيرة لا تزال مستمرة لليوم، ولا يزال خرطوم الريالات الممتد يزرع ويغذي وينمي الطائفية في العواصم العربية ضد إيران ومحور المقاومة.
الموازنة السعودية الجديدة شهدت بالأصل عجزًا يبلغ 185 مليار ريال (نحو 50 مليار دولار)، بنسبة 6.5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، ارتفاعًا من 131 مليار ريال -العجز في 2019- أي 35 مليار دولار فقط، مع انفاق عسكري قياسي يبلغ 48.5 مليار دولار لتمويل مصاريف الحرب المستمرة للعام السادس على اليمن.
روسيا ستتضرر بالتأكيد من ظروف سوق النفط العالمي، موازنة العام الحالي شهدت، طبقًا لبيانات المالية الروسية، فائضًا بنحو 14 مليار دولار، بحساب سعر برميل النفط عند 45 دولارًا، الآن ومع الأسعار الجديدة ستشهد الموازنة عجزًا في إطار الممكن تحمله، لكن ظروف الاقتصاد العالمي، والتي ستضرب الجميع بضراوة من المتوقع والمنطقي أن تزيد متاعب الموازنة الروسية، مع توقعات بنك "غولد مان ساكس" لتخفيض جديد في الأسعار، بما يدفع برميل النفط نحو الـ 20 دولارًا خلال الفترة المتبقية من العام المالي الحالي.
وزير مالية روسيا الاتحادية، أنطوان سيلونوف، قال إن الإيرادات المتوقعة لروسيا ستتراجع، مع خفض أسعار النفط بنحو 45% خلال الشهر الجاري، بنحو 39.5 مليار دولار، وبالتالي ستحقق الموازنة الاتحادية عجزًا مؤكدًا.
وبالتأكيد فإن تراجع النمو العالمي لن يصيب روسيا، كما يهدد اقتصاديات جيرانها، من الصين إلى أوروبا، وبالتالي جاءت ضربة النفط الأميركية بالخنجر السعودي في وقتها تمامًا لإضعاف الدب الروسي، وزيادة متاعب اقتصاده مع العقوبات الأميركية المستمرة.
لكن من قال إن الاقتصاد الروسي الذي تعامل مع العقوبات الاقتصادية الأميركية، وصاحب ورقة الضغط الأهم على أعصاب أوروبا "خط الغاز"، والخارج لدور عالمي، بطبائع القوة وحقائق الوجود والمصلحة المشتركة سيعود إلى الخنادق في الثلوج مرة أخرى، أمام حرب أسعار يقودها متهور، لا يرى أنه يحرق بلده أولًا، ويسحب على المكشوف من صندوق الثروة السيادي المتقلص بشدة، ويراهن على أسواق العالم للحصول على تمويلات ضخمة بسندات خزانة، ضاعفت الديون السعودية خلال السنوات الخمس الماضية، والتي تبلغ في 2018 نحو 255 مليار دولار، في أكبر بلد مصدر للنفط بالعالم؟
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024