آراء وتحليلات
الكيان الاسرائيلي يحتمل الحرب.. ويخشى نشوبها
جهاد حيدر
تميز التقدير الاستراتيجي الصادر عن معهد أبحاث الأمن القومي في "تل ابيب"، بالتحذير من امكانية نشوب حرب بين "إسرائيل" وأعدائها مجتمعين و/ أو كلّاً على حدة. ومع أن الحديث يدور عن امكانية حدوث ذلك، من دون أن يرفع مستوى التحذير إلى درجة مرجح أو مرجح جداً، إلا أن هذه الامكانية تعكس نمط التقديرات السائدة في الداخل الإسرائيلي. وأتى هذا التقدير بعد أسابيع من تقدير رسمي كشف عنه رئيس الاستخبارات العسكرية اللواء تامير هايمن بالقول إن هناك امكانية لتدحرج حادث موضعي الى مواجهة واسعة.
بالمقارنة مع تقدير السنة الماضية، فقد قدَّر المعهد في حينه أن احتمالات نشوب مواجهة عسكرية ارتفع أيضاً بالقياس إلى ما مضى، لكنه لم يكن مرجحاً. أما الآن فقد اشتدت اللهجة في الحديث عن امكانية نشوب مواجهة فحرب أكثر من السنة الماضية.
أثبتت الأحداث السنة الماضية أن الحديث عن احتمال نشوب مواجهة عسكرية واسعة كان يستند إلى وقائع. ومع أنه لم تنشب هذه المواجهة التي كانت محتملة، إلا أن مسار الأحداث كان على الحافة. وبرز ذلك في محطتين اساسيتين. الاولى عندما تم اسقاط طائرة ف16، في شباط/ فبراير العام الماضي، والثانية عند الاعتداء على مطار تيفور واستشهاد عدد من ضباط وعناصر الحرس الثوري، وهو ما ادى إلى رد صاروخي عُرف بليلة الصواريخ. وكان يمكن لكل من الحادثتين أن تتدحرج باتجاه مواجهة واسعة، لكن "إسرائيل" بقيت ملتزمة بسقف رد دون الخط الاحمر الذي تم رسمه لها، وتحديداً بعد ليلة الصواريخ. وهو ما كشفه في حينه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله بالقول إنه تم ابلاغ "إسرائيل" عبر دولة عظمى، بأن الرد الثاني سيكون في قلب فلسطين المحتلة، وهو ما ردع كيان العدو عن تنفيذ تهديداته التي سبق أن أعلنها.
أما بالنسبة للتقدير الحالي، الذي رفع اللهجة بالحديث عن امكانية نشوب مواجهة عسكرية واسعة، فهو ينطلق من أكثر من معطى: عودة سيطرة الدولة السورية، واعادة بناء قدرات الجيش السوري العسكرية والصاروخية، القلق من دقة صواريخ حزب الله، استنفاد "المعركة بين الحروب" التي لم تتمكن من اجتثاث التهديد بعد ست سنوات من الهجمات، الأمر الذي وضع الكيان الاسرائيلي من جديد أمام محطة مفصلية.
في التفصيل، صحيح أن "إسرائيل" نجحت في أن تستغل الأحداث التي نشبت في سوريا، وفرضت لنفسها مساحة من حرية المبادرة والاعتداء، إلا أنها لم تحقق ما كانت تطمح اليه. والدليل على ذلك، واقع النظام السوري على مستوى عودة سيطرته على أغلب الاراضي السورية، وارتفاع لهجة التحذيرات في الكيان من مخاطر عودة سيطرة "النظام السوري"، والتحذير من اعادة بناء قدرات الجيش السوري، اضف إلى ذلك ما تسميه "إسرائيل" التمركز الايراني.
أما فيما يتعلق بحزب الله في لبنان، فقد أدركت "إسرائيل" فشل المعركة بين الحروب، بغض النظر عن الخطاب الترويجي الذي تعتمده لحسابات محدَّدة، وبات حزب الله أكثر قوة وتطوراً على مستوى القدرات الصاروخية والعسكرية. وأدركت ايضا أن حزب الله بعد الانتصار في سوريا بات هامشه في الرد أبعد مدى مما كان عليه سابقاً.
على هذه الخلفية، وجدت "إسرائيل" نفسها أمام خيارات محدودة، ومدفوعة نحو دراسة خيارات بديلة. مع ذلك، فقد أوضح رئيس معهد ابحاث الأمن القومي اللواء عاموس يادلين، أن ما تحدث عنه في التقدير هو امكانية نشوب حرب، وليس بالضرورة أن يحدث ذلك. لكن المفارقة الأهم في هذا المشهد، أن "إسرائيل" التي تتمتع بقدرات عسكرية هائلة جدا، وبتفوق تكنولوجي وتحظى بدعم أميركي وغربي، ومدعومة من قبل بعض الانظمة العربية، هي نفسها تعترف بأنها قاصرة عن تحقيق أهدافها على مستوى المنطقة، وتسلم بأن جبهتها الداخلية تتعرض لتهديدات لم يسبق أن شهدتها منذ ما بعد حرب العام 1948. ولذلك فهي تخشى نشوبها لما سيرتب عليها ذلك من تداعيات تطال مكانتها الاستراتيجية ومستقبلها في المنطقة.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024