معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

ماذا يحمل مشهد التهجم على حكومة الرئيس دياب من أبعاد؟
22/04/2020

ماذا يحمل مشهد التهجم على حكومة الرئيس دياب من أبعاد؟

شارل ابي نادر

كانت لافتة مظاهرة الأمس ضد السلطة بشكل عام، وضد السياسات الاقتصادية والنقدية للحكومة، حيث تمثل اليوم حكومة الرئيس حسان دياب السلطة التنفيذية، وصاحبة الصلاحية الدستورية والقانونية في إدارة الحكم وتحمل المسؤولية.

فنظامنا ديمقراطي، والديمقراطية تقوم على عدة مبادىء ومفاهيم منها مفهوم: "السلطة استمرارية"، ومن دونه ستضيع "الطاسة" ويصبح كل وزير أو مسؤول أو رئيس حكومة متسلحًا بتبريرات قد تكون في مكان ما صحيحة، ومفادها أن السَلَف هو المسؤول عن الشوائب وعدم تنفيذ ما كان يجب..الخ، وهكذا ندخل في متاهة رمي الكرة الملتهبة او المسؤولية، ويفقد الحكم معناه الحقيقي ودوره الذي يحدده الدستور والنظام.

لكن النظام الديمقراطي ايضًا، والذي يقوم بأساسه على سلطة الشعب الذي يختار وينتخب ممثليه، وفي بعض الأنظمة بالإضافة للانتخاب، يُستفتى أيضًا على قرارات مصيرية أو أساسية كتعديل الدستور والنظام وغيرها، لذلك، الشعب أيضًا مسؤول، وبمسؤوليته هذه يؤكد ويثبت أكثر مفهوم أن "السلطة استمرارية" من خلال مبدأ :"مسؤولية الشعب أيضًا استمرارية".

هنا، تنقسم مسؤولية الشعب ايضا، والتي هي أساس النظام الديمقراطي، إلى اتجاهين:

الاتجاه الأول: مسؤولية اختيار وانتخاب ممثليه، حضرة النواب، والذين هم حسب الدستور، المصدر التالي للسلطات بعد الشعب، لناحية تسمية رئيس حكومة وإعطائها الثقة ومراقبة عملها وتشريع وتعديل القوانين التي تحكم بموجبها ..الخ.

هذا في المبدأ، أمّا عمليًا، فتضيع وتفقد مسؤولية الشعب عند اختيار  النواب في زواريب الطائفية والمذهبية والمصلحة القبلية والعائلية والشخصية، الأمر الذي يعرّي مسؤولية الشعب من مضمونها، فيكون الانتخاب أو الاختيار مشوهًا وفاشلًا.. أحيانًا طبعًا.

أما الاتجاه الثاني من مسؤولية الشعب، فيكون في صحة ودقة وصوابية تحديد المسؤولية عن أي تقصير أو انهيار أو فشل في إدارة الحكم والبلاد، ويكون ذلك بالغالب من خلال القدرة الصحيحة على تحديد مسؤولية السلطة التنفيذية أو الحكومة مجتمعة أو مسؤولية وزير ما معني بملف محدد، وهنا بيت القصيد فيما يحدث اليوم من تهجم وتصويب على حكومة الرئيس دياب ووزرائها.

في الواقع، وبكل موضوعية، لا يمكن إبعاد الطابع الاقتصادي والاجتماعي الضاغط والمحق عن تحرك قسم معين من المعترضين اليوم على الحكومة الحالية، حيث الوضع الاقتصادي الخانق لناحية الغلاء الفاحش أو لناحية تدهور قيمة العملة والرواتب والمعاشات، اذا بقي اليوم من أعمال وأشغال ومعاشات باستثناء القطاع العام، والذي يرى ويلمس التدحرج الدراماتيكي لقيمة رواتبه نسبة للدولار الأميركي.

وانطلاقًا من مفهوم "السلطة استمرارية"، يأتي تصويب هذا الفريق المحق على الحكومة الحالية، والتي على عاتقها مسؤولية إخراج البلاد من الوضع السيئ ومنع الانهيار وإعادة التوازن الى العملة والاقتصاد والسياسة المالية غير المرتهنة للمصارف والصرافين ومحتكري المواد والسلع الضرورية والأساسية، والمعترضون انطلاقًا من هذه الخلفية، هم محقون.

القسم الآخر من المعترضين أو المتظاهرين، والذين يصرخون بسفالة ويشتمون ويتهجمون بطريقة خالية من اللياقة والمسؤولية، واضعين كامل المسؤولية فيما وصل إليه الوضع على حكومة الرئيس دياب، هؤلاء هم في الواقع يتحركون خارج معيار المسؤولية الموضوعية، لأنهم ينفذون أجندة موجهة، محلية وخارجية، تهدف الى إسقاط الحكومة ومن ورائها العهد، لغايات مشبوهة تتجاوز الوضع الاقتصادي والمعيشي والمالي.

هؤلاء المعترضون والمرتهنون، وفي إطار أجندة موجهيهم المحليين، يهدفون لانتزاع أية امكانية لمحاسبة (موجهيهم) على مسؤوليتهم الأكيدة في تدهور الوضع بسبب فسادهم وهدرهم وسرقتهم المال العام. ومعركة هؤلاء الموجهين اليوم هي مصيرية، فإمّا تنجح حكومة الرئيس دياب في إثبات ارتكاباتهم وادانتهم وتحميلهم المسؤولية المادية والجنائية، وإما تسقط هذه الحكومة وتضيع مسؤوليتهم وارتكاباتهم وتصبح عملية استعادة الاموال المنهوبة سرابًا وحلمًا مستحيلًا.
 
أيضًا، هؤلاء المعترضون والموجهون محليًا أو خارجيًا لتنفيذ أجندة خارجية، تقوم مناورتهم لإسقاط الحكومة وبالتالي إسقاط العهد، بهدف الإتيان بحكومة مرتهنة وعهد ضعيف، يخضعان لتوجهات وسياسة خارجية، تتمحور بأساسها على الخضوع لمشاريع التطبيع مع العدو الإسرائيلي وفك الارتباط مع محور استعادة الحقوق المغتصبة والانصياع لخطة في إنهاء القضية الفلسطينية وفرض التوطين وصفقة القرن..

من هنا، تختلف أجندات وأهداف ومخططات المعترضين اليوم على حكومة الرئيس دياب، بين الصادقين بهدف تحسين الأوضاع وإعادة التوازن  وبين المشبوهين المنغمسين عن قصد أو عن جهل، لإبعاد الادانة والمسؤولية عن الفاسدين السارقين المرتكبين من قوى سياسية خارج الحكومة اليوم، وبين المرتهنين لأجندة خارجية هدفها التوطين والتخلي عن الحقوق والتطبيع مع العدو الاسرائيلي. فهل تثبت الحكومة في موقعها، فتقوم بدورها الاساس في اعادة التوازن الاقتصادي والاجتماعي والمالي للبلاد وتفرض سلطة القانون وتعيد الأموال المنهوبة، أو تستسلم أمام مافيات الفساد والسرقة والهدر وتدخل البلاد في نفق الانهيار فالانفجار؟
ربما لم يعد الوقت بعيدا لتبيان أي من الاتجاهات تسلك الامور.

حسان دياب

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

خبر عاجل