آراء وتحليلات
تعميم مصرف لبنان: خدمة لصالح كبار المودعين
يوسف الريّس
أصدر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة التعميم رقم 13221 بتاريخ 21 نيسان 2020 ويقضي بوضع آلية سحب ودائع العملات الأجنبية بالليرة اللبنانية بسعر السوق. أبرز ما يقدّمه هذا التعميم هو تخلي الحاكمية عن ثبات سعر صرف الدولار مقابل 1507 ليرة لبنانية، ليقابل الدولار في المصرف سعر سوق يعتمده كل مصرف يوميا.
يعلن التعميم خضوع ودائع الدولار إلى تقليص بالقيمة، فسعر سوق الصرافين الحالي للدولار لن يكون نفسه سعر سوق المصارف. ومن المتوقع أن يكون للدولار أسعار مختلفة ما بين السوق والصيارفة والمصارف. سينتج عن هذا التعميم انخفاض في قيمة الليرة اللبنانية مقابل الدولار مما سيجعل سعر الدولار مقابل الليرة يقفز عن سعره الحالي الذي فاق الـ3200 ليرة. فضخ مزيد من العملة الوطنية في الأسواق مقابل ثبات محدودية الدولار في السوق سيجعل سعر الدولار يرتفع ما يعني هبوطًا أكبر في قيمة الليرة اللبنانية.
تصاعدت التصريحات في الأسبوع الفائت بمعارضة أي قرار حكومي يحاول المس بالودائع وأعلنت العديد من الأحزاب أنها ستكون بمواجهة أي قرار "هيركات" نظرا لقدسية الودائع وحقوق أصحابها.
هذه الإعلانات حمت ما قدّمه حاكم مصرف لبنان من تعميم يمسّ فيه بودائع جميع الموديعين عوضًا عن هيركات منظم يمسّ بـ2% من الودائع بحسب ما كانت تشير تصريحات رئيس مجلس الوزراء حسان دياب.
التعميم الأخير يشكل ضغطًا أكبر على الليرة مما يعني أن قيمة ما سيحصل عليه أصحاب الودائع اليوم بالليرة سينخفض مع الوقت، وبالتالي، لا مبرر لتوقيت هذا التعميم سوى حماية كبارالمودعين، فالهيركات المنظم سيمس بالودائع، إلا أنه سيحمي الطبقة المتوسطة من مزيد من الخسارة لحساب الطبقة المترفة.
يشبه التعميم بنتائجه، ما اعتُمد على صعيد "الكابيتال كونترول" الذي لم يقرّ، إلا أن إجرءات المصارف فرضته ليطال الطبقة المتوسطة أما أهل السلطة وطبقة الـ1% فقد استطاعوا تهريب أموالهم إلى الخارج، فجاءت عدم قوننة الكابيتال كونترول لصالح هذه الفئة. واليوم، يدرك اللبنانيون أن من سيضطر إلى سحب أمواله من المصارف بالعملة الوطنية هو الطبقة الوسطى التي تحتاج أموالها للاستهلاك المعيشي. أما أصحاب الودائع الكبيرة والتي كانت تتجه حكومة حسان دياب إلى المسّ بودائعهم عبر الهيركات فهم من سيستطيع أن يبقي على أمواله بالدولار في المصارف لحين تقليص التزامات المصارف بالعملات الأجنبية والاستحصال على تسوية مع المصارف تصب بمصلحتهم.
إن إجراءات الحكومة كانت تستلزم الحصول على الثقة لتهدئة انهيار الليرة اللبنانية، إلا أن حاكم مصرف لبنان بتعاميمه الجديدة يزيد الضغط على الليرة وتتسارع بذلك الخطوات نحو انهيار لليرة لا حدود معلومة له.
يحاول مصرف لبنان تخفيض التزاماته "الدولارية" باتجاه المصارف عبر هذا التعميم، فأشار الى أنه "على المصرف المعني أن يبيع من مصرف لبنان العملات الأجنبية الناتجة عن العمليات المشار إليها". وهذه العملية تحمّل المودعين من الطبقة المتوسطة كلفة هندسات مالية كانت أرباحها لصالح المصارف، وكلفة سياسات النهب والسرقة والتي كانت أرباحها لأهل السلطة، وكلفة قرارات وتعاميم مصرف لبنان التي امتصت الدولارات.
المضي بهذا التعميم ليس سوى حماية لأصحاب الودائع الكبرى على حساب الطبقة المتوسطة وبتوقيته الحالي يشكل ضغطا إضافيًا على العملة الوطنية مما يعني خسارة إضافية للطبقة الوسطى.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024