معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

حكومة العراق السابعة.. تحديات كبيرة وفرص قليلة
09/05/2020

حكومة العراق السابعة.. تحديات كبيرة وفرص قليلة

بغداد:عادل الجبوري

   بمنح مجلس النواب العراقي الثقة لرئيس الوزراء المكلف مصطفى الكاظمي وكابينته الوزارية ليلة السابع من شهر ايار-مايو الجاري، تكون عقدة تشكيل الحكومة قد انفكت بعد أكثر من خمسة شهور على تقديم رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي استقالته، استجابة لضغوطات الشارع والمرجعية الدينية.

   ما أخفق فيه كل من محمد توفيق علاوي وعدنان الزرفي نجح فيه الكاظمي، لتبدأ مرحلة جديدة حافلة بالكثير من المخاطر والمصاعب والعقبات والتحديات غير المسبوقة.

رئيس الوزراء السادس

   خلال السبعة عشر عامًا المنصرمة، وبعد الاطاحة بنظام صدام، تناوب على منصب رئاسة الوزراء في العراق ست شخصيات، وتشكلت سبع حكومات.

   في منتصف عام 2004 تشكلت الحكومة الاولى، والتي عرفت بحكومة مجلس الحكم برئاسة الامين العام لحركة الوفاق الوطني اياد علاوي، حيث استمرت حوالي عشرة شهور، لتتشكل بعدها الحكومة الثانية برئاسة القيادي السابق في حزب الدعوة الاسلامية ابراهيم الجعفري، على ضوء نتائج انتخابات الجمعية الوطنية الانتقالية التي جرت مطلع عام 2005.

 وفي شهر ايار-مايو من عام 2006 تشكلت الحكومة الثالثة برئاسة القيادي الاخر في حزب الدعوة الاسلامية نوري المالكي، وفق نتائج ومعطيات اول انتخابات برلمانية  جرت في العراق اواخر عام 2005 بعد اقرار الدستور الدائم في الخامس عشر من شهر تشرين الاول-اكتوبر من ذلك العام.

وفي عام 2010 تشكلت الحكومة الرابعة برئاسة المالكي مرة اخرى بعد شد وجذب دام تسعة شهور، وفي عام 2014، لم يفلح المالكي في اقناع الفرقاء السياسيين بالقبول به لولاية ثالثة، لذلك اوكلت مهمة تشكيل الحكومة الخامسة للقيادي الاخر في حزب الدعوة ووزير الاتصالات الاسبق حيدر العبادي، وفي عام 2018 وجد الاخير نفسه خارج معادلات الاستحقاق الرئاسي الجديد، ليؤول امر تشكيل الحكومة السادسة الى القيادي السابق في المجلس الاعلى الاسلامي العراق ونائب رئيس الجمهورية ووزير المالية والنفط الاسبق عادل عبد المهدي، ولم يمر عام على تصديه للمنصب حتى وجده نفسه محاصرا بأجواء سياسية وشعبية ضاغطة جدا، عبرت عنها التظاهرات الاحتجاجية التي انطلقت في عدة مدن عراقية مطلع شهر تشرين الاول-اكتوبر الماضي، الامر الذي اضطره الى تقديم استقالته في التاسع والعشرين من شهر تشرين الثاني-نوفمبر الماضي، لتتحول حكومته الى حكومة تصريف اعمال يومية بصلاحيات محدودة ومحددة. واستمر الحال على ذلك المنوال لاكثر من خمسة شهور، تم خلالها تكليف الوزير الاسبق محمد توفيق علاوي بتشكيل الحكومة واخفق في ذلك جراء مقاطعة اغلب اعضاء البرلمان لجلسة منح الثقة لكابينته الوزارية، ومن ثم تكليف النائب الحالي ومحافظ النجف السابق عدنان الزرفي بالمهمة، وقد اخفق هو الاخر بعد ان قدم اعتذاره عند منتصف الطريق نتيجة مقاطعة ورفض القوى الرئيسية له، وبذلك انتهى الامر الى تكليف رئيس جهاز المخابرات مصطفى الكاظمي بتشكيل الحكومة الجديدة وسط شكوك كبيرة باخفاقه هو الاخر بانجاز المهمة، بيد انه نجح في تبديد مجمل تلك الشكوك ونجح بما فشل به علاوي والزرفي.

   الكاظمي(53 عاما)، رئيس الوزراء العراقي السادس بعد الاطاحة بنظام الحكم الديكتاتوري عام 2003، يعد الاصغر سنا من بين اسلافه، وهو  خلافا لعلاوي الجعفري والمالكي والعبادي وعبد المهدي، لم يمارس العمل السياسي في اطار حزبي معين، رغم مغادرته العراق منذ عام 1985، ولم يتصد لمواقع حزبية متقدمة، ولا حتى لمواقع حكومية قبل ترؤسه لجهاز المخابرات في شهر حزيران-يونيو من 2016، حيث انه من خلال ذلك الموقع خبر كل دهاليز الوضع العراقي، فضلًا عن نجاحه في التأسيس لشبكة علاقات واسعة داخليًا وخارجيًا، مستفيدًا من شخصيته الهادئة المتزنة وقدرته على ادارة وتوجيه الازمات والتقريب بين الفرقاء.

دعم داخلي وخارجي واسع

   ومع أن هناك من يرى أن الصيغة التي جاء بها الكاظمي لسدة الحكم في العراق، وعموم الأجواء والتفاعلات المحيطة بظروف تكليفه بتشكيل الحكومة ومن ثم نيلها ثقة البرلمان، لا تختلف عن صيغة تولي سابقيه للمنصب التنفيذي الاول، الا أن هناك رؤية أخرى تبدو متفاءلة الى حد ما، انطلاقا من حقيقة الدعم والاسناد والتأييد الذي حظي به الكاظمي داخليا وخارجيا.

    فإضافة الى خلفيته السياسية وبعده عن الأجواء الحزبية، وعدم اصطدامه مع الآخرين، لا في السابق ولا بعد تكليفه بتشكيل الحكومة، فإنه اطلق اشارات ايجابية تبدو مطمئنة بقدر معين لمختلف الأطراف، دون أن يعني ذلك استبعاد فرضية حصول تأزم وتأزيم بعد فترة من الزمن بفعل تقاطع المصالح، وتداخل الملفات، وتشابك الاجندات.

   وربما يدرك الكاظمي اكثر من غيره، أن التهدئة بين واشنطن وطهران يمكن أن تشكل المفتاح الرئيسي لنجاح مهمته، وهو ما سيعمل عليه من خلال الاستعانة بحلفاء وأصدقاء كلا الطرفين في داخل العراق وخارجه، وقد تكون الظروف الضاغطة التي أوجدتها جائحة فايروس كورونا والانخفاض الحاد بأسعار النفط، ووجود رغبة نسبية باحتواء الازمات الاقليمية وتطويقها إن لم يكن ممكنا تصفيرها بالكامل، عوامل مشجعة وساندة لرئيس الوزراء العراقي الجديد، بعبارة اخرى ان التهدئة الداخلية محكومة ومرتبطة بتهدئة خارجية، لعل بعض ملامحها ومعالمها لاحت في الافق بعد الولادة القيصرية لحكومة الكاظمي، حينما أعلنت واشنطن "السماح" لبغداد باستيراد الكهرباء والوقود من طهران لمدة اربعة شهور اضافية، علما ان هذا الاستثناء يتيح للعراق مواصلة استيراد حوالي 1400 ميغاواط من الكهرباء و28 مليون متر مكعب (988 مليون قدم مكعب) من الغاز من إيران.

 تحديات كبيرة ومهام ثقيلة

     في مقابل ذلك، فإن الحكومة العراقية الجديدة تواجه حزمة تحديات كبيرة وخطيرة في الجوانب السياسية والامنية والاقتصادية، وتقع على عاتقها مهام ثقيلة، تتطلب ان تكون هناك رؤية علمية وعملية وخارطة طريق واضحه لمختلف مساراتها وتوجهاتها، وطبيعي ان المنهاج الوزاري يفترض ان يتضمن الخطوط والاتجاهات العامة لعمل الحكومة وفق مقتضيات المرحلة الراهنة وترتيب الاولويات، وهذا ما شددت عليه اطراف مختلفة، حينما اشرت الى مواطن الضعف والخلل والنقص في المنهاج الوزاري لحكومة الكاظمي.

  وهذه خطوة اساسية ومهمة، ترتبط بها خطوة اخرى لاتقل اهمية عنها، الا وهي طبيعة الكابينة الوزارية، من حيث كفاءة وقدرة ونزاهة اعضائها، لان المنهاج الوزاري والكابينة الوزارية هما الجناحان اللذين يمكن ان تطير بهما الحكومة، وبالتالي تحقق النجاح المطلوب والمرجو منها. فضلا عن عدم الخضوع للاجندات والمشاريع والمصالح الحزبية والفئوية الخاصة.

   توجيهات المرجعية الدينية ومطالب ساحات الحراك الجماهيري السلمي، ينبغي ان يتصدرا كل البرامج والمناهج والمسارات الحكومية، لانه بدون ذلك ستتكرر الاخطاء والسلبيات السابقة، وفي حال اردنا ترتيب الاولويات على ضوء التوجيهات والمطالب المرفوعة والمعلنة، وعلى ضوء مستجدات الظروف، فإن معالجة الاثار الاقتصادية والصحية لازمة وباء كورونا، وانهاء التواجد الاجنبي من البلاد واستعادة السيادة الوطنية الكاملة، واجراء انتخابات برلمانية مبكرة ضمن سقف زمني محدد، وفتح ملفات الفساد المالي والاداري ووضع اليد على الخيوط المحركة لها والجهات المتورطة بها، تمثل ابرز المفردات التي ينبغي على الحكومة المرتقبة العمل عليها.

   ولاشك ان هذه المفردات ستكون بمثابة معايير ومثابات واضحة لتقييم آداء أي حكومة تتصدى لزمام الأمور في المرحلة المقبلة، ولتبقى القضية المفصلية الأهم هي تقديم المصالح العامة على المصالح الخاصة، وتعاون وتكاتف كل الأطراف لدفع الأمور ووضعها على سكة النجاح، لانه لم يعد هناك متسعا من الوقت للمزيد من الفشل والاخطاء والتسويف والاخفاق.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

خبر عاجل