آراء وتحليلات
لبنان في زمن النعمتيْن المفقودتيْن: الصحة والأمان
عبير بسّام
منذ أن خرجت المظاهرات المطلبية في لبنان في 17 تشرين الاول/ اكتوبر الماضي، دخل لبنان في مرحلة المخاض الصعب. ومع وصول وباء كورونا اليه يرن في آذاننا قول الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام: "نعمتان مجهولتان: الصحة والأمان"، وهذا ما فقد في لبنان، خاصة مع تجدد المشاغبات "المطلبية" منذ أسبوعين تقريباً والمترافقة مع قطع الطرقات وحرق وتكسير المباني.
انعدام نعمة الصحة حول العالم ليس أمراً بسيطاً يمكن الإستهانة به، وتوقف الأعمال بات بحدّ ذاته خطر ترافق مع فيروس مايزال العالم يحاول سبر أغواره، ناهيك عن اللقاح والعلاج. اذ لا يمكننا أن نهمل آثار الحجر الصحي على الناس، الذين يأملون بالعودة إلى حياتهم السابقة. فإعلان التعبئة "المنطقي" حدّ من حركة الناس وانقطعت مصادر الرزق اليومية، وأغلقت العديد من الشركات أبوابها، وصرفت عمالها وموظفيها، وفرضت الجائحة نفسها على الواقع العملي والحياتي والإجتماعي في لبنان كما في العالم.
الفوضى، التي يمر بها لبنان لا يمكن عزلها عن ما تتعرض له المنطقة العربية والدول المستقلة في العالم، والتي رفضت الرضوخ وبصراحة لشروط البنك الدولي؛ ووقفت في وجه المخطط الأميركي المتوحش. ولبنان لن يستطيع الصمود وحيداً. اذ منذ تأسيسه كدولة مستقلة، رُبط الإقتصاد اللبناني بإقتصاد السوق العالمي، مما قوض تحقيق سياسة إنتاج محلي مستقل. وربطت صناعاته المحلية البسيطة بالمواد الأولية المصنعة في خارجه. فمعامل الخياطة ستحتاج إلى القماش كمادة أولية، ولبنان ليس فيه مصانع نسيج، وهو غير قادر على إنشاء هكذا معامل لأنه لا يملك المواد الأولية لإنتاج القماش، والتي يجب استيرادها من الخارج، وهكذا دواليك.
والأسوأ من ذلك، هو الإنهيار الإقتصادي الذي يشهده لبنان، في ظل انهيار الاقتصاد العالمي، فنظام لبنان الإقتصادي والمصرفي مرتبط بالنظام الرأسمالي العالمي، والذي حجم لبنان فيه لا يتجاوز حجم إبرة في كوم قش. ولا أمل إلا بالذهاب نحو خيارات أخرى، غير أنّه حتى اليوم ليس لدى للبنان خطط اقتصادية مستقلة وما زالت خياراته المطروحة مكبلة بقواعد ما قبل حكومة الرئيس حسان دياب، والمرتبطة بقروض سيدر ومساعدات البنك الدولي. حيث يحمل قرار القبول بمساعدات البنك الدولي معه قلقًا كبيرًا، فهو قرار مرتبط بدور المصارف التي ستحول الأموال إليها، وهذا أول الشؤم.
كما يتساءل البعض عن المساعدات المشروطة التي تحدث عنها ديفيد شينكر مقابل مساعدة البنك الدولي، والتي ستتيح للصندوق الرقابة على اقتصاد الدولة. والإملاءات التي سيفرضها هذا الصندوق والتي ستخضع للقرارات الأميركية، مما يضع استقلال لبنان السياسي على المحك. وأهم المخاوف التي تطرح بين الناس هي عن الأثمان التي ستدفعها الدولة، والتي قد تكون مؤسساتها وعقاراتها في حال لم يسدد لبنان ديونه. وتمتلئ اليوم العروض على الشبكة العنكبوتية، التي تدعو للتواصل مع المغتربين اللبنايين لشراء عقارات بالتنسيق مع مؤسسات يملكها نواب الشعب اللبناني.
اذاً، تحاول الولايات المتحدة الأميركية الإفادة من الوضع القائم وتعويض خسائرها في زمن انعدام الصحة من خلال تسهيل عمل مؤسساتها الإقتصادية، مثل صندوق النقد الدولي، والمؤسسات التي تقوم بتقديم الخدمات والدراسات الإقتصادية والتي يتلقى أصحابها مبالغة طائلة مقابل تقديم خدماتهم، وهذه المؤسسات لن تقوم بتقديم التوصيات بتحسين الموارد الذاتية للبنان، أو أي دولة أخرى، أو بصناعة اقتصاد مقاوم يعتمد على الإنتاج الذاتي من زراعة وصناعة وسياحة حقيقية. بل سيكون الثمن تقويض القرار السياسي في تلك الدول لمصلحة مخططاتها.
تزامن التدخل الدولي مع دخول لبنان في مرحلة جديدة من انعدام الأمان، صحياً مع عودة ارتفاع الارقام بسبب استهتار وعد تطبيق لمعايير السلامة العامة على المستوى الشعبي و"نكد" في بعض مفاصل الدولة وبدء موجة جديدة من تحركات الشارع والتي اتخذت طابعاً عنفياً متصاعداً، وصعدت المخاوف من العودة إلى موجة قطع الطرقات بشكل يشبه أو أسوأ مما حدث بعد تحركات 17 تشرين الأول/ اكتوبر 2019. واليوم تترافق هذه التحركات مع المخاوف بانتشار الوباء الذي نجحت سياسات البلد الصحية بمنع تحوله إلى جائحة يمكنها ان تحصد أرواح الكثيرين، في ظل اقتصاد منهار ونظام صحي بالكاد يمكن القول عنه بأنه قادر على تقديم الخدمات لشعب أكثر من 40% منه يعاني من البطالة، ومعظمه بات يعيش تحت خط الفقر، ومنعت عنه المساعدات التي تأتي من أهاليه المغتربين بطريقة مريبة وبحبس الدولار من الوصول إليه.
الصحةصندوق النقد الدوليوزارة الصحة اللبنانية
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024