معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

 سلاح المقاومة.. حق يكفله القانون الدولي
14/05/2020

 سلاح المقاومة.. حق يكفله القانون الدولي

بين دعوات سحب سلاح المقاومة والقانون الدولي: الشرعية في مقابل التسييس

د.علي إبراهيم مطر

مع انطلاق المفاوضات بين الحكومة اللبنانية وصندوق النقد الدولي، بدأت طلائع شروط المجتمع الدولي تظهر إلى العلن، من خلال الضغط على الحكومة اللبنانية وابتزازها لفرض الشروط عليها من بوابة القرار 1559.

ويترافق ذلك مع انطلاق حملة إعلامية تنفذها شخصيات من قوى 14 اذار تصب في هذا الإطار، بالإضافة إلى استغلال سياسي لمسألة مراقبة الحدود بين لبنان وسوريا، بشكل يحاول البعض توجيهه ليصُبّ حصراً في خانة استهداف المقاومة، بالاستناد إلى إمكانية ذلك بفرض شروط سيضعها صندوق النقد الدولي، وفي صلبها ضبط الحركة عبرَ الحدود.

ويتزامن ذلك مع محاولة الضغط الدولية لإعادة إحياء قرارات أممية مثل القرار 1559 والقرار 1680، من أجل المطالبة بنزع سلاح المقاومة ونشر قوات دولية على طول الحدود بين لبنان وسوريا وهو ما عبر عنه بوضوح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس ولاقاه في ذلك سياسيون لبنانيون.

أولاً: قراءة في بنود القرار 1559

ما تقدم يستلزم قراءة جديدة ومركزة للقرار 1559 والتذكير بقواعد القانون الدولي التي تكفل حق المقاومة، خاصةً أن القرار 1559 يتضمن عبارات تحمل تفسيرات مختلفة، وهذه العبارات يمكن تفسيرها على أكثر من وجه بحيث ترضي المندفع الى القرار والمعترض عليه في آن، وهو إذا قرئ بشكله القانوني فإنه لا يشمل المقاومة لأنها ليست ميليشيات، على عكس ما اعتبرتها تقارير الأمناء العامين للأمم المتحدة، بشكل يتغاضى عما تنص عليه قرارات الأمم المتحدة التي تشرع مقاومة الاحتلال، كما أن لهذا القرار قراءة سياسية مختلفة يقرأها المخالفون والمعادون للمقاومة على أنها (العبارة) تشمل المقاومة.

وقد تضمن القرار الذي أتى تحت الفصل السادس - أي أنه غير ملزم - أربعة مطالب عامة تندرج في إطار إحترام سيادة لبنان ووحدته الإقليمية واستقلاله السياسي تحت السلطة الشاملة والوحيدة للحكومة اللبنانية ضمن حدوده المعترف بها دولياً، وهذه البنود ايضاً لم تطبق بكاملها، فلماذا لا يركز عليها مجلس الأمن وخاصةً البند الأول المتعلق بانسحاب ما تبقى من القوات الأجنبية؟ حيث انسحبت القوات السورية ولكن قوات الاحتلال الاسرائيلية لا تزال محتلة مزارع شبعا والغجر وتلال كفرشوبا، ومن هنا يمكن الرد على الأمم المتحدة بالمطالبة بانسحاب "اسرائيل" من كامل الأراضي اللبنانية، خاصةً أن القرار 1559 استند في حيثياته الى القرارين 425 و426 المتعلقين بانسحاب "اسرائيل" من الأراضي اللبنانية حتى الحدود المعترف بها دوليًا.

أما فيما يتعلق ببند نزع سلاح الميليشيات اللبنانية وعلى اعتبار مجاراة تفسيرات أخرى له تشمل سلاح المقاومة، فإن هذا الأمر لا يمكن الضغط على لبنان من خلاله، وذلك لأن المقاومة ضد الاحتلال مشروعة في القانون الدولي. وبالتالي فإن للحكومة والشعب اللبناني التمسك بحق الدفاع المشروع عن النفس بما يمثل التزاما بالقانون الدولي وليس تناقضا معه. وقد سبق للولايات المتحدة و"اسرائيل" معاً ان اعترفتا بهذا الحق المشروع في الدفاع عن النفس وذلك في إطار تفاهم نيسان منذ عام 1996. أما الغريب فهو أن يقوم الأمين العام للأمم المتحدة ومن هو يعيش في أروقة هذه المنظمة بالمطالبة بنزع السلاح ضارباً عرض الحائط بما يقره القانون الدولي، ومنصاعًا للضغوطات الأميركية الإسرائيلية.

ثانياً: شرعية المقاومة

ونحن اليوم على أعتاب ذكرى 25 أيار ذكرى التحرير والانتصار الذي صنعته المقاومة ضد الاحتلال الاسرائيلي، والذي ما كان لينسحب من لبنان لولا سواعد المقاومين، فإنه من المهم تذكير البعض بما يقره القانون الدولي ويكفله من حق لهذه المقاومة، فهذا الحق لا يزال قائماً لتحرير ما تبقى من أراضٍ محتلة في مزارع شبعا وتلال كفر شوبا والدفاع عن الأراضي اللبنانية والشعب اللبناني من أي اعتداء إسرائيلي. هذا الحق لا يمكن لأحد اليوم أن ينقضه أو أن ينتقص منه.

والحديث عن هذا الحق هو لتأكيد المؤكد، حيث يقر ميثاق الأمم المتحدة بحق المقاومة، ضد أي عمل عدواني يقوم به الاحتلال. وقد أكدت البنود الواردة في المادة الأولى من الميثاق على حق الشعوب في المقاومة ومواجهة أي عمل عدواني ضد الاقليم. كما أن الميثاق يضمن لكل دولة تعرضت لاحتلال أو لاختراق سيادتها الوطنية واستقلالها السياسي أن تفعل ما بوسعها لأجل استعادة تلك السيادة، وهذا ما أقرته صراحة المادة 52 من ميثاق الامم المتحدة التي تشير إلى أنه "ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول فرادى أو جماعات في الدفاع عن نفسها إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء الأمم المتحدة"، وعليه فإن مزارع شبعا وتلال كفر شوبا هي أراضٍ محتلة بتأكيد اللبنانيين والمجتمع الدولي على ذلك، وهي الان موجودة تحت الاحتلال الصهيوني الذي يرفض الخروج منها، وبالتالي فإنه يحق للشعب اللبناني تحرير هذه الأراضي بكل الوسائل الممكنة بما فيها استخدام القوة  وهي تصبح دفاعا عن النفس.

وقد نوهت بحق المقاومة كذلك العديد من القرارات والاتفاقيات الدولية، حيث جاء في المادة الأولى من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، أن "لجميع الشعوب حق تقرير مصيرها بنفسها". وقد أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم 3101 الصادر في 12/12/1972 في الدورة الثامنة والعشرين، للتأكيد على حق الشعوب الخاضعة له بالتحرر منه بكافة الوسائل، والقرار 3103 عام 1973، لتثبيت المبادئ الأساسية للوضع القانوني لمواجهة الاستعمار والسيطرة الأجنبية والتمييز العنصري.

كذلك أصدرت الجمعية العامة القرار (1514)  في 14/12/1960 الذي يعلن منح الاستقلال للبلاد والشعوب المستعمرة. ويعتبر مبدأ تقرير المصير جزءا من الالتزامات التي يفرضها ميثاق الأمم المتحدة. كما أكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في العديد من قراراتها بشرعية نضال الشعوب الرازحة تحت الاحتلال من أجل تقرير مصيرها، وأدانت الحكومات التي لا تعترف بحق تقرير المصير.

وفي عام 1974 أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 3214 حول تعريف العدوان وحق الشعوب في النضال بجميع الأشكال بما فيها الكفاح المسلح من اجل نيل الحرية والاستقلال وحق تقرير المصير، وبالتالي أجازت حق جميع الشعوب في العالم بالمقاومة المسلحة للاحتلال في سبيل تحررها من الاحتلال، كما أن هناك العديد من القرارات لا مجال لذكرها هنا.

لذلك، فإن تحرير الوطن والدفاع عن النفس ضد أي عدوان يبقى حقاً منسجماً مع مبدأ حق تقرير المصير، كما إن حق المقاومة مستوحى في الأصل مما ورد في مقدمة الإعلان العالمي لحقوق الانسان، وهنا يصبح حق المقاومة في تحرير الاراضي والدفاع عن النفس، من أصل حق الإنسان في الحياة.

وبالتالي فإن أصل تفسير القرار 1559 هو تفسير سياسي وليس قانونيا من أجل الضغط والابتزاز لنزع سلاح المقاومة، علماً أن ما تقدم يؤكد شرعية هذا السلاح دولياً، خاصةً أن القرارات الدولية ثابتة لا تتغير، كما يعتبر بعضها قواعد آمرة لا يمكن نسفها بقرارات جديدة، كما هو حال حق الشعوب في تقرير المصير والحصول على استقلالها. وعليه يمكننا القول إن هذه القرارات التي تكفل حق المقاومة لا يمكن نقضها، ومهما حاول الغرب ومن يتبع له، أن ينقض هذا الحق فإنه لن يصل إلى مبتغاه، وستبقى المقاومة ضد المحتل هي الأصل في تحرير الأرض والدفاع عن الشعب.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات