معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

تصاعد الیمین المتطرف في ألمانیا: عودة النازية والرايخ
15/05/2020

تصاعد الیمین المتطرف في ألمانیا: عودة النازية والرايخ

سركيس ابو زيد
 
ترافق حظر حزب الله في ألمانيا مع تصاعد تحركات اليمين المتطرف ضد المهاجرين والمسلمين. منعت المانيا مؤخرًا الفرع الوطني لمجموعة النازيين الجدد. كما أن الحكومة الالمانية، الخاضعة للضغط الأميركي الاسرائيلي، استغلت الحملات العنصرية لاتخاذ قرارات ترضي واشنطن و"تل ابيب". ما هي الخلفيات الخارجية والداخلية لهذا التوجه؟ وهل أصبحت اللاسامية ضد الاسلام فقط؟

أصدرت وزارة الداخلیة الألمانیة قرارًا بحظر نشاطات حزب الله على الأراضي الألمانیة. وأعلنت أن الأماكن المستھدفة "یُشتبه بأنھا جزء من منظمة إرھابیة بسبب دعمھا المادي للحزب والدعایة التي یقومون بھا لصالحه"، حسب تعبيرها.

والترجمة الفوریة لھذا القرار حصلت بإلغاء مسیرة تنظمھا السفارة الإیرانیة سنویًا في نھایة شھر رمضان ویطلق علیھا "مسیرة القدس"، ویشارك فیھا مناصرو المقاومة وتُرفع شعاراتها.  

الحجج والمزاعم التي استندت إلیھا السلطات الألمانیة لتأكید وتبریر قرارھا باعتبار حزب الله منظمة إرھابیة وحظر أنشطته، حُددت وحصرت في أمرین:

- التحضیر لھجمات على الأراضي الألمانیة.
- تشكیك حزب الله بحق إسرائیل في الوجود ودعوته غالبا الى تدمیرھا، في حین حددت ألمانیا منذ نھایة الحرب
العالمیة الثانیة الدفاع عن إسرائیل كأولویة.

القرار الاتھامي قوبل بارتیاح وتنویه من الكيان الاسرائيلي والسعودیة، والولایات المتحدة. فقد أعلن السفیر الأمیركي في برلین ریتشارد غرینیل أن ھذا القرار یعكس التھدید العالمي الذي یمثله حزب الله، داعیًا الاتحاد الأوروبي الى اتخاذ خطوات مماثلة لحظر الحزب في كل الدول الأوروبیة.

خطورة  القرار الألماني، تكمن في أنه یخرج عن توجه أوروبي عام يميز بين جناحین عسكري وسیاسي، تقوده فرنسا وتعتبر أن الذھاب باتجاه حظر حزب الله والتعاطي معه كمنظمة إرھابیة ستكون له تداعیات سلبیة على الوضع في لبنان، إن لجھة الإخلال بالتوازنات اللبنانیة كون حزب الله یمثل شریحة لبنانیة أساسیة وله ممثلون منتخبون في البرلمان اللبناني، أو لجھة حصول توترات ومشاكل مع قوات "الیونیفیل" العاملة في جنوب لبنان. یُضاف الى ذلك أن ضعف وتراجع الدور الفرنسي في لبنان وسوریا یضع باریس في موقع عدم المغامرة بخسارة ما تبقى لھا من دور ونفوذ في المنطقة. ولذلك تُصر باریس على الفصل بین الجناحین السیاسي والعسكري، وقد أبلغت الى برلین رفضھا للقرار الذي اتخذته، وبالتالي استبعاد أن یكون القرار الألماني مقدمة الى قرار مماثل على المستوى الأوروبي. وإذا كانت ألمانیا تجاوبت أخیرا مع طلب قدمه وزیر الخارجیة الأمیركي مایك بومبیو خلال زیارته الى برلین العام الماضي، فإن فرنسا ما زالت حتى الآن تواجه الضغوط الأمیركیة (والإسرائیلیة).

عودة النازية

القرار الألماني استجابة لرغبة وطلب الولایات المتحدة، و إرضاء لـ"إسرائیل"، ولكن من المؤكد أن له أسبابه ودوافعه الداخلیة، حیث یشكل تنامي التطرف الیمیني في ألمانیا عاملًا ضاغطًا على السلطات الألمانیة لتشدید تعاملھا مع المنظمات الإسلامیة على أنواعھا.

حظر حزب الله، سبقه حظر مجموعة یمینیة متطرفة بقرار من وزارة الداخلیة. اسم ھذه المجموعة التي باتت محظورة "الشعوب والقبائل الألمانیة المتحدة"، وھي جزء من "مواطني الرایخ" الذین لا یؤمنون بالدولة الألمانیة ولا بالدیمقراطیة ویرفضون الاقتداء بالقوانین، وحتى دفع الضرائب وحمل جواز السفر الألماني، ویصدرون ھویات خاصة بھم. ویحمل ھؤلاء أیضا أفكارًا یمینیة متطرفة، ینكرون المحرقة الیھودیة. وبالنسبة إلیھم، فإنھم یتبعون القوانین التي كانت على أیام الإمبراطوریة الألمانیة وتلك التي وضعھا النازیون قبل أكثر من70 عاما، من ھنا یأتي اسمھم وولاؤھم لجمھوریة "الرایخ" كما كانت تعرف ألمانیا قبل الحرب العالمیة الثانیة.

وبین العامین 2015 و 2017، أحصت الشرطة الجنائیة أكثر من 10 آلاف مخالفة ارتكبھا منتمون إلى ھذه الجماعة، من بینھا اعتداءات ضد المسلمین والیھود في ألمانیا. وتقّدر المخابرات الداخلیة أعدادھم بأكثر من 19  ألف شخص، عدد كبیر منھم یحمل سلاحًا، علمًا بأن أعدادھم ارتفعت كثیرًا في السنوات الأخیرة.

أثبتت بیانات صادرة عن مكتب الادعاء العام في ألمانیا، ما صرح به وزیر الداخلیة الألماني ھورست زیھوفر، عندما قال إن خطر الیمین المتطرف بات أعظم من خطر الأصولیین على ألمانیا. وأظھرت بیانات من مكتب الادعاء العام تراجع القضایا التي بعھدته والمتعلقة بالإسلام المتطرف بشكل كبیر. وفي العامین 2016 و 2017 كانت 80 في المئة من القضایا لدى مكتب الادعاء العام مرتبطة بـ"التطرف" الإسلامي، ولكنھا انخفضت إلى نحو 60 في المئة من مجمل القضایا في عام 2019. ومقابل انخفاض أعداد التحقیقات المتعلقة بالإسلام المتطرف، ارتفعت أرقام التحقیقات التي یقودھا مكتب الادعاء العام ضد الیمین المتطرف.

صعدت الحكومة الألمانیة من مواجھتھا للیمین المتطرف بعد مجزرة ھانا والتي قتل فیھا یمیني متطرف 9 أشخاص في محلین للنرجیلة، معظمھم من المسلمین، بدوافع عنصریة. وإثر المجزرة، قررت المخابرات الداخلیة مراقبة "الجناح"، وھي مجموعة یمینیة شدیدة التطرف داخل حزب "البدیل لألمانیا" الذي یعد أكثر حزب معارض في البرلمان. وأدى ذلك بالحزب إلى التوصیة بحل ھذه الجماعة. وقبل أیام قلیلة من مجزرة ھاناو، كشفت السلطات الألمانیة عن مخطط إرھابي لمجموعة یمینیة متطرفة كانت تخطط لاستھداف مساجد في أنحاء ألمانیا، وتنفیذ مجازر.

"البدیل لألمانیا" ھو أكبر حزب معارض في البرلمان، ویتحمل مسؤولیة تزاید جرائم الكراھیة في البلاد. یواجه الیمین القومي في ألمانیا اتھامات بإثارة أجواء سیاسیة تساعد على وقوع اعتداءات عنصریة في ألمانیا. وتأسس حزب "البدیل لألمانیا" عام 2013، واستفاد من أزمة اللاجئین عام 2015، لیجذب الناخبین الألمان المستائین من سیاسة الحكومة. وبنى حملته الانتخابیة على معاداة اللاجئین والمسلمین، ونجح بدخول االمجلس عام 2017 بعد أن حصل على أكثر من 12 في المئة من أصوات الناخبین، وبات الحزب المعارض الأكبر داخل البرلمان.

ومنذ ذلك الحین، شھدت ألمانیا تصعیدا في الجرائم ضد المسلمین والمھاجرین ومؤیدیھم. وتعتمد الأحزاب الألمانیة عرفًا بعدم التحالف مع "البدیل لألمانیا" على الصعیدین الوطني أو المحلي.  كما منعت المانيا مؤخرا الفرع الوطني لمجموعة النازيين الجدد "كومبات 18" .

حزب الاتحاد الدیمقراطي المسیحي الذي یھیمن على الحیاة السیاسیة الألمانیة منذ أكثر من سبعین عاما، یواجه تآكل قاعدته الانتخابیة. وھو لم یعد یلقى تأیید أكثر من  27 في المئة من الناخبین مقابل 23 في المئة للخضر، و14 في المئة للیمین القومي. وقد تحدثت مجلة "دیر شبیغل" الأسبوعیة عن "تدمیر ذاتي للاتحاد المسیحي الدیمقراطي" حالیًا في نھایة عھد میركل "لحزب بلا قیادة ولا مركز استراتیجي". أما صحیفة "سود دویتشه تسایتونغ"، فھي قلقة من احتمال أن ترى دیمقراطیین مسیحیین مرتبكین یخسرون على مر الوقت وضعھم كحزب كبیر، بعد الاشتراكیین الدیمقراطیین الذین سبقوھم إلى ذلك.

تزايد الضغط الاميركي الصهيوني، تنامي خطاب الكراهية والعنصرية والتراجع الديمقراطي والاشتراكي، كل ذلك أدى الى اتخاذ القرار المجحف بحق حزب الله. هل تستمر المانيا بهذا الخيار الذي يتناقض مع مصالحها، أم سوف تتراجع عنه عند تغيير المعطيات التي شجعت على اتخاذه؟ هل نشهد عودة النازية والرايخ شكليا ضد اليهود.. وفعليا ضد الاسلام هذه المرة؟ أسئلة مطروحة.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

خبر عاجل