آراء وتحليلات
الشراكة التجارية بين لبنان وسوريا واجب وطني
يوسف الريّس
في ظل انحسار تدفق الدولار إلى لبنان يتجه اللبنانيون إلى الزراعة وما تيسّر من أدوات الصناعة كحلّ وحيد لاستبدال التبعية المطلقة للسلع الخارجية. ورغم توجه مجلس الوزراء إلى وضع خطة تحوّل أساسية من الاقتصاد الريعي المحصور بإنتاجية القطاع المصرفي إلى الاقتصاد المنتج المبني على قطاعات الزراعة والصناعة والتكنولوجيا إلا أن المبادرات الإنتاجية لا تزال فردية وغير موجهة أو مدعومة.
أبرز ما يجب أن ترتكز عليه خطط الوزرات المعنية هي محاولة توجيه القطاعات لتلبية الحاجات الداخلية من خلال تحسين استغلال المواد الأولية والأيدي العاملة لتحقيق أعلى نسبة ممكنة من الاكتفاء الذاتي عوضا عن الاستيراد، إضافة إلى تخطيط يهدف لكسب سوق خارجية ممكنة لتصدير المنتجات اللبنانية لها.
هذه الخطط تحتاج إلى الدراسة العلمية الدقيقة ولا تحتمل الاستنسابية، وتهدف إلى توجيه الاقتصاد عبر رسم سياسات تحدد الشركاء التجاريين الأفضل للبنان بناءً على مقاربة الأرباح والتكاليف.
المسلّم الوحيد أن لا منفذ بريًا للبنان غير سوريا. تبلغ الحدود البرية ما بين البلدين 375 كلم لتكون بذلك الشريك الأساسي الوحيد لأي تجارة برية يمضي بها لبنان إذا لم نجزم أنها الشريك التجاري لأي تجارة لبنانية-عربية لكونها الممر البري الوحيد. فالاتفاق على الصعيد الرسمي لتخفيض كلفة النقل البري للصادرات اللبنانية عبر المعابر السورية لا سيما معبر نصيب يزيد من القدرة التنافسية للمنتجات اللبنانية في الأسواق العربية وهذا ما يجعل التواصل الرسمي ضرورة.
التعامل الرسمي بين البلدين يشكل أساس تخطي الأزمات الاقتصادية التي تلحق بهما حاليا. فالأمن الغذائي اللبناني يستوجب توجّه الحكومة للاستفادة من القدرة الإنتاجية السورية للمواد الغذائية الأساسية مثل القمح والبقوليات والألبان والأجبان ومختلف المنتجات الزراعية. في هذا الاطار، تحدث رئيس مجلس الوزراء عن أزمة استيراد القمح بعد حرص روسيا وأوكرانيا على الإبقاء على محاصيلها، قد تكون العراق وسوريا شريكين اقتصاديين أنسب لتأمين هذه الحاجة الوطنية.
تشير البيانات الجمركية اللبنانية بحسب دراسة للبنك الدولي عام 2015 الى أن الصادرات غير النفطية التي تمرّ عبر سوريا انخفضت من 140 مليون دولار أمريكي شهريا أوائل عام 2012 إلى ما يقارب الـ 100 مليون دولار شهريا في أوائل عام 2013 بعد اشتداد الأزمة وانقطاع المعابر. أما على صعيد الواردات عبر سوريا فقد انخفضت مما يقدّر بـ160 مليون دولار شهريا في أواخر عام 2011 إلى ما يقارب الـ60 مليون دولار شهريا أوائل عام 2013.
هذه الأرقام تشير إلى أهمية إحياء التجارة البينية بين لبنان وسوريا من جهة، والتجارة البرية عبر سوريا من جهة أخرى. فالضغط الاقتصادي الذي يعيش فيه لبنان ويحتدّ يوما بعد يوم كانت أبرز مسبباته الأزمة السورية التي خنقت لبنان العائم على التعامل مع سوريا.
كذلك لا يمكن نفي حقيقية أن لبنان جذب الممولين السوريين لوضع أموالهم في المصارف اللبنانية، إلا أن أزمة القطاع المصرفي منعت من دخول العملات الصعبة عبر التجار السوريين.
العلاقات التجارية بين البلديين عميقة ومربحة لكل الأطراف ولا يمكن نبذ هذه الحقيقة لإرضاء توجهات سياسية. فالفرصة جدية أمام اللبنانيين ليجعلوا من السوق السورية سوق استهلاك للخدمات التكنولوجية اللبنانية وبالتالي تنمية اقتصاد المعرفة في لبنان.
ما يجب أن يحكم العلاقات التجارية بين البلاد هو الفرص والأرباح مقابل الكلفة، وما يمكن تأكيده بناءً على ذلك أن العلاقة الرسمية مع سوريا وإحياء الاتفاقيات معها واجب وطني.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024